الإرث الذي تركه الشيخ د. أسامة عبد العظيم هو “النموذج”، المثال الحي على أنك تستطيع أن تعيش حياة السلف الفريدة التي تقرأ عنها في الكتب بكل تفاصيلها في الإخبات والزهد والورع والتواضع والجد في العبادة، مهما كانت طبيعة حياتك المهنية ومهما كنت مكلفًا بأعباء في الدعوة والعلم والعمل، حتى لو كنتَ أستاذًا جامعيًا أو شيخًا كبيرًا أو كاتبًا أو مُصلحًا أو عالمًا في تخصصك!
لك أن تتصور أن الناس كانت تسافر من كل أنحاء مصر لمسجد الشيخ في حواري “حي الشافعي”، لمجرد أن تشعر بنشوة الإخبات والتجرد من الدنيا والجد في العبادة ورؤية هذا النموذج الفذ بأعينها والاقتداء به!
تخيل أن أكثر هؤلاء لا يعرفون حتى اسم المسجد، كل ما يعرفونه “مسجد الشيخ أسامة عبد العظيم”، ما أن يصل أحدهم إلى مقابر الشافعي أو نحوها، وقد بدا عليه أنه غريب أو ضمن صحبة دينة – ملتحي مثلًا أو ما شابه – حتى تجد أهالي المنطقة يبادرونك: هل تريد مسجد الشيخ أسامة؟ أو يرشدونك إليه!
تخيل أن تكون كل سمعتك هي “الجد في الصلاة والعبادة”؟!
أي إرث يمكن أن يتركه الإنسان أعظم من ذلك؟! أي قيمة توازي قيمة أن تبذل عمرك في العبادة والعمل الصالح والعلم والدعوة، ثم تموت فيتبعك الذكر الحسن وتلحقك آلاف الدعوات بالرحمة وتلتهب لأجلك المشاعر؟! ماذا تسوى الدنيا بكل انبهاراتها ومادياتها أمام هذا؟!
“وأنْ ليس للإنسان إلا ما سعى وأنَّ سعيَهُ سوف يُرى ثم يُجزاه الجزاءَ الأوفى”، تأمل لفظة “الأوفى” وهو التمام والكمال، فيدخل فيه أن يُرى أثر سعي المؤمن لنفسه يوم القيامة ويُرى للخلق في الدنيا، إبهاجًا للمؤمنين وإغمامًا لغيرهم، ولازم أن يُرى؛ أن يُجازى عنه بالذكر الحسن والدعاء.. قبل أن يُجازى عنه مرةً أخرى يوم القيامة..
وحكمة ذلك كما قال الطاهر بن عاشور: “تشريف المُحسنين بُحسن السُّمعة وانكسار المُسيئين بِسُوء الأُحدوثة”، وهو من تمام محبة الله ورضاه.
وهذا من أظهر الدلائل على وجود رب وعلى وجود حساب في حياة أخرى.
الأثر الصالح لا يُنسى ولا يضيع ولا يزول.
رحم الله الشيخ أسامة وغفر له وأسكنه في الصالحين.