وقت القراءة 4 دقيقة
744 عدد المشاهدات

إن الحديث عن القراءة والكتابة صعب وسهل؛ صعب يَنْع وسهل ممتنع، وصعوبتهما لا تكمن في الفكرة ولا الموضوع، إنما في الرفض التام من الجمهور لنصائح القراءة والكتابة؛ ربما بسبب الفوضى الكبيرة في هذه النصائح حتى صارت ميدانًا واسعًا للإفتاء والتدريس والدعوة؛ فقليل يقرأ وكثير ينصح، كثير يكتب وقليل يُتقن!

وهذا الكتاب ليس كتابًا فكريًّا في القراءة، أو تعليميًّا في الكتابة، إنما هو محض مذكرات قارئ وكاتب، جمعتُ فيه ما خفي من أخبار المكتبات وقصص المؤلفين، وأهم أقوال الكُتَّاب وأجلّها، وغرائب الكُتب وفرائد الكتابة؛ ما حُرق وما احترق، ما أُتلف وما غرق، هنا فوق المائتين مقولة ثمينة، ونحوها قصة قصيرة، قصيرة المبنى عميقة المعنى، أو بعبارة د. عارف حجاوي: “القصص الصغيرة أضواء كاشفة نتعب في التقاطها”.

مذكرات وقصص وأقوال في أهمية القراءة والكتابة للفرد، وأثرهما في الأُمة، وعالم الكُتب والمكتبات، في القديم والحديث، في الشرق والغرب، ومهارات القراءة المُثمرة، ودورها في الكتابة، مع التركيز على أوهام القراءة وخرافاتها الشائعة، وأفكار شراء الكتب، وصِفات الكاتب الجيد، ولماذا يكتب، وكيف يتعاطى مع الكتابة، وهل هي موهبة أم مهارة مُكتسبة، وما هي دوافعها، وهل لها سن مُحددة، وكيف تُكتسب مهاراتها وتُزال معوقاتها، وتجارب أشهر الكُتَّاب في ذلك، قديمًا وحديثًا، شرقًا وغربًا، وبعض فنون الكتابة المخصوصة؛ كالتلخيص والتهذيب والعرض والتوثيق والفهرسة والترقيم، وغيرها من الفنون التي يحتاجها الكاتب.

لكن لا تعتقد عزيزي القارئ أنك بعد قراءة هذه الموضوعات وهذا الكتاب؛ ستصبح كاتبًا جيدًا أو قارئًا متمرسًا؛ فما أضمنه لك هو أن تعرف أشياء جيدة – من واقع الحياة والتجربة والتاريخ – عن الكتابة وأخرى عن القراءة؛ تُميز بها بين الحقائق والأوهام والخرافات في عالم القراءة والكتابة، وفي هذه اللحظة الواعية المدركة التي تتمكن فيها من التمييز بين هذه الأشياء الثلاثة؛ تأكد أنك أصبحت مؤهلًا لتكون كاتبًا عظيمًا وقارئًا أعظم!

كشاف الموضوعات:

الفصل الأول: الكتاب

الكتاب من منظور حضاري

نحن والغرب

الفصل الثاني: في القراءة

لماذا نقرأ

حول خُرافة القراءة السريعة

القارئ والمعنى والنص: كيف نقرأ؟

مُدمن روايات

القراءة وقود الكتابة

عن شراء الكتب

الفصل الثالث: عن الكتابة

لماذا نكتب؟

هل الكتابة موهبة فطرية أم مهارة مُكتسبة؟

دوافع الكتابة

مصانع الكتبة

كيف نكتب؟

مسألة التبسيط!

في بعض فنون الكتابة:

  • حول الأمثال
  • المرادفات والأضداد
  • في المصادر والتوثيق
  • حول التلخيص
  • حول العرض والمراجعة
  • علامات الترقيم
  • الفَهْرَسة

مقدمة الكتاب:

بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد..

يقول فلاسفة القانون إن القانون هو مقياس الأشياء، أي الفاصل المميز بين الخير والشر، بين الحق والباطل، بين الاستقامة والانحراف، وهو سر الإلزام به، فإذا كان ذلك؛ فهل يسوغ أن ينفصل عن طبيعة المجتمع الذي يحكمه، وعادات هذا المجتمع التي ترجع إلى الأخلاق السائدة فيه؟! أو أن تمتد جذوره إلى ثقافة غير ثقافته الأصلية وما استقر فيها من تحسين وتقبيح؟!

لقد عاشت البلاد العربية في ظل الحكم الإسلامي لعقود طويلة من الزمان، وظل أهلها مُنذ فتحها يحتكمون إلى الشريعة المتمثلة في القرآن والسُّنة والأحكام التي استمدت منهما باستعمال أصول الفقه وضوابطه وقواعده الكلية التي وضعها الفقهاء المسلمون، مستلهمين الحلول من سوابقهم وسوابق أسلافهم والأشباه والنظائر إذا لم يجدوا في كتاب الله وسُنة نبيه صلى الله عليه وسلم بُغيتهم، وقد اجتهدوا في ذلك أيما اجتهاد، وصنفوا في أصول التقاضي والأحكام والدعاوى ما عجزت سائر الأمم السابقة عن الإتيان بمثله، بل سبقوا إلى تأصيل النظريات التي يُفاخر القانونيون المعاصرون بتأصيلها وذِكْرها في كتبهم، وبلغ بهم الشأن العظيم أن كانوا مرجعًا للأوروبيين في المسائل الحقوقية والمعضلات القانونية يفزعون إليه كلما دعتهم الحاجة ليجدوا لدى المسلمين كلمة الفصل فيما يهمهم ويشغل بالهم.

عن ذلك يُحدثنا علي حيدر وزير العدلية في الدولة العثمانية، والأستاذ بكلية الحقوق في الأستانة، ورئيس محكمة التمييز (النقض)، وأمين الفُتيا (١٨٣٧: ١٩٠٣م) فيقول: “وقد استُفْتِيَتْ دارُ الاستفتاء هذه في بعض الأحوال من قبل دول أوروبا في بعض المسائل الغامضة الحقوقية” [1].

وفي الجملة كانت الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيس والأوحد للأحكام لأكثر من ألف وثلاثمائة عام حتى نهاية القرن الماضي حين تزايد النفوذ الأجنبي الذي استهدف إقصاء الشريعة وتغيير البنية الاجتماعية للأُمة، حيث أُنشئت المحاكم المختلطة، وأُلغيت المحاكم الشرعية، واستمدت القوانين من مصدر أجنبي غير شرعي لا يتصل بانتماء البلاد الإسلامي ولا بخصائصها الثقافية والاجتماعية التي حددت ذاتية البلاد وهويتها الإسلامية، وكان من الأولى أن تنعكس على القانون الذي يحكمها ويسود فيها، فالتشريع الصحيح وليد روح الأُمة وقيمها ومبادئها الدينية والاجتماعية.

هذا الكتاب ما هو إلا إسهام في إماطة اللثام عما دار من مؤامرات لإقصاء الشريعة الإسلامية بالكلية واستبدالها بقوانين وأنظمة لا تتصل بانتماء البلاد الإسلامي وبحضارتها وثقافتها الإسلامية، في ظل الانسياق الشرقي للانبهار الغربي بمجموعة نابليون القانونية، الذي ساد التاريخ القانوني والاجتماعي في القرن التاسع عشر، حيث كان يُنظر إليه بوصفه أعظم تطور قانوني حصل في التاريخ بعد القانون الروماني، والله أسأل أن يوفقني لإتمام هذا العمل على الوجه الذي يحبه ويرضاه.

—-

[1] علي حيدر خواجة أمين أفندي: درر الحكام شرح مجلة الأحكام، ترجمة: فهمي الحسيني، دار الكتب العلمية (بيروت)، ج 4 ص 566.

Share via
Copy link