أكثر ما يشدني في طالب العلم والداعي إلى الله والمُفكر والمُعلم؛ البساطة والتواضع، وأعني التواضع الفطري، الذي لا تشعر فيه بأي ثقل، وليس فيه أي قدر من التكلف أو حتى غلب النفس وقهرها عليه!
البساطة جذابة، والتواضع صفة آسرة في الإنسان، لا تعرفها فقط من المعاملة ولا الهيئة ولا التخشع الذي يختلط فيه الصدق بالكذب.. لكن الأهم؛ الرحمة في الخِطاب، وبَذل القلب في إنقاذ الآخرين، وتجنب الغطرسة في الدعوة والاستعلاء بها على الناس، وعدم احتقارهم أو نعتهم بالجهل أو وصفهم بأن لا وزن لهم ولا اعتبار أو الترفع عليهم بالعلم والتدين والتعليم والدعوة!
لفت انتباهي أحد الأخوة لملاحظة أن ابن تيمية كان يتقصد برده رءوس مخالفيه وأئمتهم، لا المقلدين ولا عموم الناس.. وهذا معنى خطير، إذا كنتَ مخاصمًا ولابُد؛ فلا تخاصم إلا لضرورة وعن دين، إياك التعميم وازدراء الخلق، ليس كل من شايع من تكره؛ متهم في دينه أو عقله، ولا من عُدت عثراته وزلاته كمن ديْدَنه الخطأ والسقط..
التواضع؛ رضا عن النفس وإنصاف مع المخالف، رحمة في البلاغ ومروءة في الخصومة..
والأخوة ليست بالكلام إنما بالتقدير وبذل الود..
تأمل كيف أن كل من رأى نفسه وتعالى بعلمه؛ أبدلَه الله مع سعة اطلاعه وحفظه ذمًا وذلًا وخذلانًا، حتى اشتهر بالكبر أكثر من شهرته بالعلم، وكانت عاقبته أن مقتَه الناس وانصرفوا عنه!
لا زال العلم يورث أهله التواضع والبساطة.. من طلب العلم انكسر له، وخشع قلبه، واستكانت نفسه، وبانت شفقته بالناس، وعرف قدره في قدر الله.. كيف يجعلُ الله “الكبرَ” سببًا لصيانة العلم؛ والمتكبرون يُحشرون على هيئة الذر يطؤهم الناس بأقدامهم؟!