من جهة أخرى، القوانين تحاسب كل من له علاقة بأي جريمة؛ بنفس نوع عقوبة الجريمة أو قريبًا منها، فمن ساعد بأي مساعدة، من حرض، من أخفى متهم، من أخفى معلومات وضلل، من شارك بأي مشاركة يعاقب كما الجاني، هذا في الغالب الأعم من الحالات.
في المقابل: هل لو شارك أي مشاركة اجتماعية إيجابية، سينتفع من الدولة بشيء، هل ثمة قوانين تُوجب مكافأته؟!
بنى مستشفى مثلًا أو جامعة، اخترع اختراعًا أو اكتشف اكتشافًا مهمًا، أي شيء من هذا القبيل؟!
لا أبدًا، هذا يصلح أن يكون موضوعًا لفيلم سينمائي أو مسلسل تلفزيوني فقط؛ فمن وجد شيئًا ثمينًا له ١٠٪ منه أو ما شابه، هذا كلام يضحكون به على ضِعاف العقول، بل قد لا تترك الدولة لصاحب هذا التبرع أو الاكتشاف؛ الشيء أصلًا وتسحب ملكيته منه لها رغمًا عنه، وهذا مشاهد ملموس في أكثر الحالات، وكم من مساجد بُنيت واستولت عليها الدولة لتصير منبرًا من منابرها! حتى الضرائب والرسوم التي قد (قد) تعفى منها المشروعات الخاصة الخدمية أو ذات الطابع الاجتماعي، ما هي إلا سنوات قليلة جدًا وسيدفعها المتبرع أو المكتشف عن يد وهو صاغر!
ولنا أن نتأمل قوانين التحفظ على الأموال، وقرارات التأميم من قبل، وأن ننظر في السجون، وسنرى من فاعلي الخير والآمرين بالمعروف العشرات!
في الإسلام، الأمر مختلف تمامًا..
فالشريعة تثمن المشاركة الاجتماعية، ويُؤجر عليها الإنسان أجرًا كاملًا، ليس هو فقط، بل وورثته لو فعلوها عنه (الصدقة الجارية)، والساعي فيها والآمر بها ولو لم تر النور (الأمر بالمعروف)، وللإنسان أن يتملك من أملاك الدولة ما يخدمها أو يُعين عليها أحيانًا (إحياء الموات)، وله أن يضع لها نظامًا قانونيًا يمنحها ما يريد من استقلال بلا تدخل من الدولة (الوقف)، ولا يجوز أن تُؤَمم أو تُفرَض عليها ضريبة، فالشريعة تثمن أي مشاركة ومساهمة دينية ذات بُعد اجتماعي.
وفي الجرائم والعقوبات، فلأن العقوبة ليست غاية في الشريعة، فليس كل علم بالجريمة مشاركة فيها، لذلك ولأول مرة في تاريخ القانون يُفرِّق نظام بين “السَّتر” و”التستر“، فالأول مشروع مرغوب، والأخير ممنوع معاقب عليه، فليس كل علم بجريمة وإخفاء لها؛ جريمة تستحق العقوبة، بل قد يكون “السَّتر” هو الواجب، وحتى في حالات “التستر” فالعقوبة؛ أبدًا ليست من جنس عقوبة الجاني ولا من نوعها ولا من تصنيفها حتى، وكتب التراث الإسلامي مليئة بعشرات ومئات المسائل والتطبيقات.
لماذا؟!
لأن في الإسلام قيمة نشر الفضائل أعلى، وقيمة الإنسان أسمى، أما في دولة القانون وفي الدولة الحديثة وفي الاشتراكية وفي الرأسمالية؛ فالقيمة للحكام والحكومات والعمل ورأس المال!