وقت القراءة 2 دقيقة
332 عدد المشاهدات

يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: “إن الله نظرَ في قلوب العباد، فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه، فابتعثه برسالته.. ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد، فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيه، يقاتلون على دينه، فما رأى المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن، وما رأوا سيئًا فهو عند الله سيء”!

أول ما بدأتُ تعلم العلوم الشرعية، وضعت لنفسي قاعدة لم تخني أبدًا، كنت كلما احترت في أمرٍ ما، أو مسألة صارت مثار جدل وشد وجذب؛ أسألُ نفسي: هل فعلها الصحابة؟ من فعلها؟ لماذا تركوها؟ ولماذا فعلوها؟

صحابة النبي صلى الله عليه وسلم “معيار” من خلاله نعرف حدود ما يمكن أن نختلف فيه، أو بعبارة أدق حدود ما يختلف فيه أهل العلم.. إياك أن تتخيل أنك ستكون أعبد أو أتقى أو أورع لله منهم! أو أحب للنبي صلى الله عليه وسلم منهم!

الإسلام، نصوصه وأحكامه وأوامره ونواهيه، لا يمكن أن تفهمها بعيدًا عن فهم الصحابة وبعيدًا عن مذاهبهم فيها..

ولذلك لا نستغرب عندما نجد العلماء الأُول حين وضعوا العلوم الشرعية الرئيسية وضعوا أخرى فرعية مرتبطة لزومًا بالصحابة، مثل أسباب النزول في التفسير، وأسباب الورود في الحديث، والصحابة في علم الرجال، لأن نصوص الشريعة ارتبطت بهم، فعليهم نزل القرآن غضًا طريًا، ومن خلالهم صيغت الأوامر والنواهي، عاينوا وقائعها وكانوا موضوعها!

ولذلك من ذكاء علماء الحديث أنهم أول ما اتفقوا؛ اتفقوا على أن كل الصحابة “عدول”؛ أي لا يُقبل فيهم جرح ولا تجهيل ولا طعن بأي مطعن، ولو لم يسم الصحابي! إذ زكاهم الله تعالى ومدحهم بنفسه، فكيف يُقبل فيهم جرح وتعديل؟!

ولذلك لما سُئل النسائي عن بعض الصحابة، بغرض الوقيعة فيهم، أجاب إجابة بديعة متقنة قال: “إنما الإسلام دار لها باب، فباب الإسلام الصحابة، فمن أراد الصحابة إنما أراد الإسلام، كمن نقر الباب إنما يريد الدار”!

لماذا؟!

لأن الصحابة رضوان الله عليهم في مجملهم “بوصلة” فهم الدين، فما تركه الصحابة في جملتهم؛ فالأولى تركه، وما فعله الصحابة ففعله أولى، لا نتكلم هنا عن حلال أو حرام، فالحلال ما أحله الله ورسوله والحرام ما حرمه الله ورسوله، لكن نتكلم عن الطريق الذي نفهم به الدين ونعتقده.

حب الصحابة من حب النبي صلى الله عليه وسلم، والاقتداء بهم من الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، اصطفاهم الله كما اصطفاه، وكما خلقه على عينه وخصه بالرسالة؛ خلقهم خلقة مناسبة تمام المناسبة لمراد الله من إرسال رسوله فيهم، فجعل قلوبهم أبر القلوب ونفوسهم أقوى النفوس.. وكما كانوا أصحابه في الدنيا فهم أصحابه في الجنة.

ولذلك استدل بعض المفسرين بقول الله تعالى “الله أعلمُ حيث يجعلُ رسالته” ليس على فضل النبي صلى الله عليه وسلم وخيريته فحسب، بل أيضًا فضل الصحابة وخيريتهم على سائر الخلق!

Share via
Copy link