في مقالها المعنون “ذكورية الفقه الإسلامي: مكابرة في غير مكانها” تقول إحدى الكاتبات المشهورات!:
“إنّ من المستحيل تخيّل عدم وجود انحياز جنسي ما، في أي علم متعلق بقضايا اجتماعية، عندما يسيطر على هذا العلم جنس واحد فقط… الانحياز الذكوري في الفقه بات يشكل نقطة ضعف كبيرة، تتهدد المنظومة الفكرية للإسلام ككل، بسبب التداخل بين الإسلام كدين، وبين الجانب الفقهي فيه، الأمرُ الذي بات منفذًا مفتوحًا لتسلّل الناس، وبخاصة النساء، من الدين كله”!
“يُمثل الفقه الجانب القانوني من الإسلام، والذي تأتى عن مجهود بشري… لذا فإن نقد الاجتهاد الفقهيّ أمر يجب ألّا يخضع إلا لمعايير المحاكمة العلمية المتخصصة، دون أن يُستخدم في ذلك فزاعات التقديس، واتهامات الجرأة على دين الله”!
هل الفقه ذكوري؟!
هذا السؤال المفعم بنفسية منفعلة تجاه أحكام الدين؛ دفع الكاتبة – بلا أي تحصيل للعلوم الشرعية ولا دراسة لتاريخ العلم عند المسلمين – أن تكتب كلامًا لا يقوله إلا علماني قُح ناقم على العلماء والفقهاء – الذين لا تبلغ جامعة من جامعاتنا عُشر قدر أحدهم – فضلًا عن أن تقوله ناشطة مسلمة!
الكاتبة بدلًا من أن تعتز بتاريخ المسلمين، وعلومهم وحضارتهم؛ تجَنّت على الفقهاء وتاريخ المسلمين بـ التحيز الذكوري بسبب تحيزها ونسويتها الظاهرة.. وفي تجنيها تتهمهم ضمنًا بغياب المنهجية العلمية والمرجعية الدينية؛ فتنظر لاجتهادهم (في المجمل) على أنه خبط وظن وتحيز وظلم للمرأة!
لماذا؟!
لأنهم رجال ولا يمكن أن ينفكوا عن ذكوريتهم!!
الكاتبة نزعت صفات التجرد والعدالة والورع والتقوى عن علماء المسلمين (جملةً هكذا)، وتجاهلت تمامًا: كيف يجرؤ أحدهم على تحريف دين الله (وهو اللفظ الأصح الذي يصف ما ذكرته الكاتبة) بلا أي ورع ولا تقوى ولا دين؟! فما بالك أنهم تواطؤوا على ذلك؟!
رغم إقرار الغرب نفسه وكثير من الحداثيين أنفسهم بقيم وأخلاقيات علماء المسلمين، بل لا يكاد يختلف أحد في قيمة النسق الأخلاقي عندهم أصلًا!
الكاتبة تستنكر أن تكون كُتب الفقه مقاييس للحلال والحرام!
ما الفرق بين هذه النتيجة وبين جملة الممثلة الشهيرة: “أنا مش عايزة كلام الفقهاء، أنا عايزة كلام ربنا”؟!
لا يختلف أبدًا، غير أنه هذه المرة صادر عن كاتبة وناشطة محسوبة على التيار الإسلامي!
لا أعلم من أين، وكيف إذًا يتعلم الناس دينهم؟!
هل تدرك الكاتبة كيف يستخلص الفقهاء حكم ما؟! أو الشروط التي يتطلبها الفقه ليسوغ الاجتهاد؟!
الكاتبة تنظر للفقه على أنه مجرد نظام قانوني ارتبط بنشأة بدائية تحض على تقييد خروج المرأة وحجبها!
جاهلة أو متجاهلة الفروق الجوهرية بين الفقه والقانون (في الوظيفة والدور؛ من تعبد ودعوة.. إلخ، وفي صفة المُخاطَب؛ عبد ومكلف ومستخلف.. إلخ، وفي العلة الكلية للأمر والنهي؛ السمع والطاعة.. إلخ، ومن ثمَّ النتائج).. تجاري في هذا التقريب والمماثلة؛ النظرة الحداثية للتراث الإسلامي، ثم تبني نتيجة بضرورة مراجعة الفقه ومرتكزاته الذكورية!
الكاتبة لم ترَ أي مشكلة في اتهام الشريعة بالنقص – من حيث لا تدري أو تدري الله أعلم، لكن خلينا نحسن الظن – بغمز علماء الدين والتشكيك في الفقه كله (الأحكام المستنبطة من القرآن والسُّنة ليس إلا)؛ بناءً على تحيزها النسوي الواضح.. ويكفي لتعرف حجم المصيبة التي نحن فيها أن تقرأ تعليق إحدى المؤيدات لكلامها تُطالب أيضًا بمراجعة التفسير، وآخر يطالب بمراجعة الحديث، وهكذا.. لماذا؟!
لأن التفسير والحديث أيضًا مليء بالذكورية!
الكاتبة “لفت ودارت” في تاريخ العلم عند المسلمين لتقرأ شيئًا واحدًا؛ أنه لم يكن متاحًا للمرأة أن تحصل على أي فرصة في التعلم أو دور في البنية العلمية للأُمة، دون أن تضع الكاتبة احتمالًا مثلًا أن يكون ذلك خيار المسلمات الأساسي في تلك العصور لأنهن لم يتلوثن بالحداثة المعاصرة! ودون أي اعتبار لدور المرأة في الأسرة في إخراج علماء الأمة وتوجيههم تربويًا وتهيئتهم نفسيًا للأدوار المنوطة بهم كأئمة للمنظومة (الفقه) التي تنتقدها وسائر منظومات الدين (جهاد، إمامة.. إلخ)!
الجرأة واندماج الكاتبة في فكرتها جعلها تُعلق بجمل وكلام حول الله عز وجل لا يليق أبدًا به، فلا يليق وضع اسمه تعالى في أي سياق مهما كان – ولو بالتهكم على المخالف – مثل: “الله ليس رجل بالمناسبة” ، “يبدو أن الله يكره النساء”.. عبارات سخيفة جدًا تمُجّها الفطرة السوية، لا تليق باسم الله تحت أي ظرف!
لم تكتفِ الكاتبة بطرح فكرتها الشاذة، فرغم زعمها أنها مُحبة للنقاش والأسئلة.. إلخ؛ صادرت في النهاية على أي مخالفة لكلامها مدعيةً بأنها “مُكابَرة” وأن هذه المُكابَرة هي التي تسببت في نشأة النسوية الإسلامية، وهذا جهل فكري يُضاف لجهلها العلمي والشرعي!
وفي حين تدعو لمناقشة الفقه والفقهاء في اجتهادهم وتنتقدهم؛ تحظر كل معلق وتحذف رأيه ولا تقبل مناقشتنا أفكارها أو الاعتراض عليها! أفكارها خط أحمر، ومنظومة الفقه (جملةً هكذا) يلزم إعادة تشييدها!