من آكد المحظورات في الشريعة: أكل المال بالباطل، وقد تكرر تعظيم النهي عنه في القرآن الكريم والسُّنة النبوية في مواضع عدة وبصور شتى، لتأكيد أصل عصمة الأموال، بل شددت الشريعة على هذا الأصل بأغلظ أنواع التحريم والتجريم، فإذا ما تدنست نفس إنسان بأكل حق من حقوق الناس المالية أو المادية، فلا يُطهره من ذلك الدنس إلا أن يرد ذلك الحق إلى صاحبه، وأن يستبرئ ذمته منه، وإلا استحق الذم والمقت من الله تعالى، واستحق العقوبة والأذى من المجتمع، باعتباره مسئول أمام الله وأمام الجماعة.
قال الله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [سورة البقرة: الآية 188]، وقال: {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا} [سورة النساء: الآية 2]، وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [سورة النساء: الآية 29]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» [1]، وهو الأمر الذي بنى عليه الفقهاء قاعدتهم: “الأصل في الأموال العِصمة”، وخرجوا عليها مئات المسائل الفقهية.
وتطبيقًا لهذا الأصل حُرمت السرقة وجُرمت بأغلظ العقوبات الدنيوية والأخروية، قال الله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ} [سورة المائدة: الآية 38]، وحُرم الربا بكل صوره، قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [سورة البقرة: الآية 275]، وقال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} [سورة البقرة: الآيتان 278، 279]، وأُمر بعدم التصرف في مال الغير إلا بإذنه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ مِنْ مَالِ أَخِيهِ شَيْءٌ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ» [2]، وأُمر بِوضْع الجَوائح [3]، قال النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَوْ بِعْتَ مِنْ أَخِيكَ ثَمَرًا فَأَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ، فَلاَ يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا، بِمَ تَأْخُذُ مَالَ أَخِيكَ بِغَيْرِ حَقٍّ ؟!» [4]، وغيرها من عشرات الصور التي مبناها جميعًا على أصل عصمة الأموال.
ولا ريب أن أكل المال بالباطل أعم من السرقة ومن أخذِّه بلا مقابل مُستحق شرعًا أو عرفًا، إذ يدخل فيه كل إخلال بعدالة المُثَمَّن، فإحدى أهم حِكم وعِلل حظر أكل المال بالباطل هي تحفيز النشاط العيني الحقيقي بضمان حركة السلع والخدمات النافعة الفعلية، وحمايتها من التعطيل كُليًا أو جزئيًا، وتقوية عناصر الإنتاج وضمان مساهمتها وتعاونها لتحقيق تعمير واقعي شامل، وهو العمران.
لذلك حرمت الشريعة الربا، وتعقبته في جميع مظان وجوده؛ في أنواع السلع وفي الآجال وفي الديون، وحاصرت الروح الفردية التي كانت سائدة بسيادة الربا في المجتمعات والأُمم قبل مجيء الإسلام، لأن الربا انعكاس لسيادة الروح الفردية، فكل فرد هو وحده الذي يُحدد القيمة أو القيم التي يجب أن يخضع لها!
فهذا التعقب كان أحد أهم مظاهر قيام الإسلام وإعلان دولته، فلا نستغرب أن يكون أحد أهم عناصر خطبة النبي صلى الله عليه وسلم في حجَّة الوداع وجعل حُرمته من حُرمة الشهر الحرام والبلد الحرام، قال: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ، وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ، وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ» [5]، وقوله: «تَحْتَ قَدَمَيَّ»، كناية عن إبطاله والتحقير منه.
والتاريخ الاقتصادي لطالما أثبت أن الربا كان أحد شعارات إفقار المجتمعات، فكان من أقوى أسباب ركود الأسواق وتعطيل قوى العمل، فإن من ضرورة السماح بالتربح من المال المُجرد اعتمادًا على هامش الزمن أن يُؤدي إلى تعطيل حركة السلع والخدمات، إنتاجًا وتجارةً، وسنأتي لهذا الأمر بالتفصيل، وهذه نتيجة تنافي مقصد الشريعة في الأموال، وهي رواجها بالعدل وربطها بالمنافع والأعمال لأن الأصل هو تسخير المال لخدمة الإنسان وسد حاجاته.
فكل معاوضة مالية أُخذ فيها المال دون ما يعادلُه أو يكافئُه من جهة المُثَمَّن عاجلًا أم آجلًا، فإنها معاوضة باطلة.
وهذه المماثلة أو المعادلة والمكافئة لا ترجع فقط إلى الجانب المادي، أي قيمة الشيء في حد ذاته كما ترى المادية، بل أيضًا تراعي الجانب الشخصي، أي ماذا يُمثل هذا الشيء لأحد المتعاقدين ولظروفه الشخصية، فقد يكون الشيء تافهًا في ذاته لكنه كبيرًا في نظر صاحبه أو من يريد الحصول عليه، فالشريعة تُراعي ذلك ولا تهمله لأنه مرتكز من مرتكزات العدالة والتماسك الاجتماعي.
وثمة معنى آخر مهم مرتبط بفكرة التماسك الاجتماعي والتأثيرات الاجتماعية، وهو أن الربا يُفضي إلى انقطاع المعروف والإحسان بين الناس، وتكدس فائض المال بأيدي فئة قليلة من المرابين وأصحاب رءوس الأموال الكبيرة الذين لا يضرهم التجارة في المال اعتمادًا على هامش الزمن، بما يورث العداوة والبغضاء والطبقية بين أفراد المجتمع الواحد، فضلًا عن غيره، فتحدث الأزمات الاجتماعية وتنفصم عرى الروابط العصبية القائمة على التعاضد والتكافل والتراحم، وهي أوثق روابط الاجتماع الإنساني والتماسك الاجتماعي واستمراره بكفاءة وفاعلية.
فمعظم محرمات الشريعة لها فلسفة اجتماعية مهمة، ومن ذلك تحريم “الربا” – وهو ما ينطبق تمامًا على موضوع “الفائدة” بكل أنواعها وأشكالها، وسنأتي على ذكر ذلك – إذ “القرض” فكرة اجتماعية بالأساس، أي أداة أباحها الشرع وحث عليها لتحل مشاكل الناس فيما بينهم، وترفع الحرج عنهم، وتدفعهم عن الحرام، فالقرض نظام ديني اجتماعي تكافلي، يترتب على ذلك أن المُقرض يجب أن يفهم أنه يُؤدي دورًا اجتماعيًا بوصفه مسلمًا، له وظيفة اجتماعية تجاه الناس، وهذا ما لم يفهمه الغربيون ولن يفهموه لأن المادة هي الوسيلة الأساسية لإدراكهم الأمور، ومن ثمَّ يتعين أن يُدرك أن هذا الأمر له مخاطره التي يلزم أن يتحملها بوصفه مسلمًا ينتظر الجزاء في حياة أخرى هي الآخرة؛ مثل ألا يسترد المال مرةً أخرى، أو يظل المقترض معسرًا ويتأخر عليه في رد المال، أو تنخفض قيمة المال بين إقراضه واسترداده له! وهنا الشرع أيضًا لم يترك الأمر هملًا، بل حدد حكمًا لكل حالة، وأيضًا تبعًا للدور الاجتماعي لهذه العملية وتبعًا للجزاء المنتظر، فمثلًا؛ أمر بإنظار المعسر، ونهى عن زيادة المال بمد الأجل، وهكذا.
فاختزال فكرة تحريم الفائدة والربا بوجه عام بموضوع “الاستغلال” مخلّ جدًّا؛ إذا نُظر له بعيدًا عن أن الربا مُفضي إلى انقطاع المعروف والإحسان بين الناس، وهي غاية أساسية من غايات الاجتماع الإنساني في التصور الإسلامي، وبالتالي هل يصح أن يتحول “الإقراض” لعمل، أو يكون وسيلة لتكسب؟! بالطبع لا، فطبيعته في الشرع تأبى ذلك، ومن أقدم عليه؛ لزمه تحمل المخاطر الناشئة عنه باعتباره عملًا من أعمل البر.
لذلك، من دقائق التاريخ الإسلامي في حركة المال والاقتصاد، أن الأوقاف – وهي من أهم أنشطة البر في الإسلام كما هو معلوم – كانت من أهم أسباب تقويض النشاط الربوي، فسنلحظ أن اليهود في القرنين الخامس عشر والسادس عشر بسبب صعوبة نقل النقود بين البلدان؛ أسسوا نظام عمل يشبه فروع أحد البنوك في المراكز التجارية الكبيرة مثل إسطنبول وبورصة ودمشق وحلب، وفي ظل هذا النظام كان التاجر الذي يذهب من إسطنبول مثلًا إلى دمشق يترك نقوده عند اليهودي الذي يعيش في إسطنبول ويأخذها من اليهودي الذي يعيش في دمشق، وكان اليهود يأخذون نسبة مقابل هذا النشاط، لكنهم لم يستطيعوا في ظل الدولة العثمانية الحصول على ربا فاحش عند إقراضهم النقود كما كان الحال في أوروبا، ويعلل المؤرخون ذلك بانتشار الأوقاف في الدولة العثمانية، فكانت الطبقات الضعيفة لا تشعر بالحاجة إلى الحصول على قروض بالربا بسبب دعم الأوقاف [6].
كل ذلك، بالإضافة بالطبع لمعنى آخر ديني صرف، هو أن الأصل في علة كل حكم شرعي؛ اختبار السمع والطاعة، فهي تابعة للاستجابة لأحكام الدين، والإمعان في تعظيم الخالق بالإمعان في الخضوع له، وهذه في ذاتها مصلحة تُعلَّل بها الأحكام، وهو سر قول النبي صلى الله عليه وسلم: «حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ» [7] أي الشديد على النفس الذي لا تميل إليه بسهولة، وهو جوهر فكرة “العبودية” و “التسليم”! وهذا أصل عام في الأحكام الشرعية، وفي المحرمات أخص، ولذلك مثلًا لم يقل الله عز وجل بعد: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ…} [سورة البقرة: الآية 278]: تعقلون، أو تفقهون، أو تعلمون، إنما قال: {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}، قال بعض المفسرين: لأن الربا والإيمان لا يجتمعان.
وهذا المعنى الإيماني مهم للغاية، لا من جهة عدم استحلال الربا أو الامتناع عنه، فهذا أمر مفروغ منه، لا يكاد يوجد مسلم يُقره، إنما تكمن أهمتيه في الجانب المظلم من المعاملات حيث الشُبهات والتلاعب بالمصطلحات والإجراءات والحيل وحمى الحرام، هنا تعتمل مشاعر الإيمان والتسليم، وتُصارع الشهوات وهوى النفس، فإما ترسب النفس كما رسب أصحاب السبت، وإما تنجح كما نجح الصحابة والمسلمون الأُول، فهذا معنى ومغزى وجوهر قوله تعالى: {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}.
ولذلك، من دقائق الشريعة – وأحد انعكاسات ارتباط التزكية فيها بالفقه – التعبير عن استحلال الربا والمال الحرام بـ “الأكل“، قال تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [سورة البقرة: الآية 275]، وفي الحديث: «لعَنَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ، وَقالَ: هُمْ سَوَاءٌ»!
بالطبع المقصود هو الانتفاع وليس عين الأكل، لكنه عبر بـ “الأكل” في هذا الموضع دائمًا؛ قطعًا لوهم الاضطرار في اكتساب المال الباطل واستحلال الحرام، فالأكل أعظم أنواع الانتفاع التي لا غنى عنها، فإذا كان الأكل به ممنوعًا فكيف بما هو دونه؟!
لذلك قال بعض المفسرين: “يُبعثون من ثقل بطونهم يتخبطون تخبط المصروع، فالربا ربا في بطونهم حتى أثقلهم فلا يقدرون على الحركة، تلك علامتهم يوم القيامة” [8]!
ومنه نعلم فجاجة خطأ سيد أحمد خان (١٨١٧: 1898م) [9] ومن تبعه من الحداثيين؛ حين اعتبروا أن الربا المنهي عنه في القرآن هو الخاص بإقراض الفقراء، لا الأغنياء، ولا للمقترضين في التجارة أو في الصناعة، لأن هذا الأخير بمثابة تمويل لدعم التجارة والرفاهية الوطنية والازدهار، وإنما أطلق عليها جميعًا ربا استنادًا إلى السلطة المعرفية للفقهاء واستنتاجهم الخاطئ! فانهزام سيد خان وغيره أمام الحداثة الغربية والانبهار بالرأسمالية الأوربية في منتصف القرن التاسع عشر هو الذي جعلهم ينحرفون هذا الانحراف الشديد في تفسير “الربا” وتعليله باستغلال الفقراء فحسب.
ونحوه تجريم بعض القوانين العربية – مثل المصري والأردني والعراقي وغيرها – ما يُسمونه بـ “الربا الفاحش“، بهذا التقييد: “الفاحش”، يعني زيادة الفوائد على الحد الأقصى المقرر قانونًا أو الممكن الاتفاق عليه بين المتعاقدين أو الزائد عن أصل المال في حال الفوائد التأخيرية – التي تكون عن التأخر في تنفيذ الالتزام – فكل هذه القانون؛ لا تُجيزها، الغريب أن القوانين في هذا الموضع استخدمت هذا التعبير “الربا الفاحش” لكنها لما أتت على ذكر ما هو جائز وما قننته من الفوائد استخدمت تعبير “الفوائد” لصعوبة أن يستخدم تعبير “الربا” لما فيه من تنفير للناس، فالمشرع الوضعي لم يُرد في الحقيقة أن يمنع الربا، فقط أراد أن يحدّ من الغلو فيه، ود. عبد الرزاق السنهوري (١٨٨٥: ١٩٧١م) الذي كان له دور كبير في صياغة القوانين المدنية في البلدان العربية [10] قال بالنص في كتابه (الوسيط) الذي شرح فيه القانون المدني: “ونرى [11]كيف كره المشرع المصري الربا، فحدد لفوائد رءوس الأموال – تأخيرية كانت أو تعويضية – سعرًا قانونيًا وسعر اتفاقيًا، وكيف تشدد في مبدأ سريان هذه الفوائد فجعله عند عدم الاتفاق لا من وقت الإعذار بل من وقت المطالبة القضائية، وكيف أجاز استرداد ما يُدفع زائدًا على السعر المقرر، وكيف أعفى المدين في حالات معينة من دفع الفوائد حتى في الحدود التي قررها، وكيف منع تقاضي فوائد على متجمد الفوائد، وكيف وقف بمجموع الفوائد التي يتقاضاها الدائن عن تجاوز رأس المال، في هذه وغيرها آيات إلى كراهية المشرع للربا وعلي الرغبة في التضييق منه حتى لا يستفحل فيُرهق المدين، ويُؤذن بالإفلاس والخراب” [12]!
ولذلك من الإشكاليات التي ربما يتهاون معها؛ استبدال المصطلحات الشرعية بأخرى مكانها، وألا يُرى حرج في ذلك طالما لم يختلف الحكم الشرعي باسم “لا مشاحة في الاصطلاح”، من قبيل ذلك؛ مصطلح “الفائدة” بديلًا لمصطلح “الربا”، ومصطلح “خزانة الدولة” مقابلًا لـ “بيت المال”، ومصطلح “الضرائب” مقابلًا لـ “التوظيف”، ومصطلح “التنمية” كمقابل لـ “العمران”، ومصطلح “المواد التموينية” مقابلًا لـ “الأقوات الأساسية”، وغير ذلك.
ولا يعني هذا الوقوف من هذه المصطلحات أو بعضها موقف الرفض التام أو حتى القبول التام، ولكن يعني وضعها في إطارها المفاهيمي والدلالي الصحيح، إذ المصطلح بمثابة وعاء يدل على المحتوى الذي جمعه، وصناعة أكثر المصطلحات الاقتصادية المعاصرة إنما نشأت في بيئة رأسمالية أو اشتراكية متصالحة مع النواهي الشرعية ومعادية للأوامر الشرعية، فلم تحمل مضامين الذم والقبول لهذه الأوامر والنواهي، ومعلوم أن هذه المضامين تحمل بدورها انعكاسات في نفوس المخاطبين بأحكامها، تحملهم على تهوينها أو تعظيمها.
ذلك أن المصطلح الإسلامي بصفة عامة والمالي منه على وجه الخصوص يُستعمل تبعًا لوظيفة مقاصدية وأخلاقية، إذ هو إما أن يصف واقع على ما هو عليه حقيقةً، أو يتضمن حكمًا شرعيًا لازمًا، فإن المُتلقي لا يشك إطلاقًا في حُرمة النشاط الذي يُعطى مثلًا وصف “ربا” أو “غرر” أو “غبن” أو “مَكْس”، لأنه يوفر صورة واضحة للمكلف عن طبيعة المعاملة.
هذا بالإضافة إلى العداء الذي يحدث تجاه المفهوم حين يتم إقصاء المصطلح من المنظومة، ولا أدل على ذلك من النفرة التي نجدها في الفكر حيال مفاهيم “الجزية”، “الفيء”، “الحسبة”، وغيرها.
انظر مثلًا؛ كيف يُجادل محمد سعيد العشماوي (١٩٣٢: ٢٠١٣م) في حُرمة “الفائدة” أخذًا من أنه ليس هو “الربا” المنهي عنه، بزعم أن الفائدة تعامل بالنقد لا بالمقايضة، وفي أشياء مختلفة غير متماثلة، ومع شخص اعتباري غير حقيقي كالدولة والبنوك، ومحددة بنسبة سنوية [13]، وبعيدًا عن أن ما ذكره العشماوي متهافت تمامًا؛ فالربا موضوع الكلام عن الفائدة؛ ليس ربا الفضل الذي أشار له، إنما ربا النسيئة؛ وفكرته الزيادة مقابل الأجل، أما نوع أطراف العلاقة؛ فمن قال إنه علةً أو صفةً أو شرطًا أو ركنًا في الحكم؟!؛ فانظر كيف تلعب المصطلحات دورًا مهمًا في الحلِّ والحرمة والأمر والنهي، وكيف توظَّف باعتبارها مدخلًا للتنصل من دائرة الشرع!
ومن هنا يُفهم أيضًا سر وضع القرآن الكريم “البيع” في سياق المقارنة مع “الربا”، لأن البيع جزء من الطبيعة الإنسانية، ووجه الحِكمة في السماح به والحث عليه ظاهر وهو حفظ المال ورواجه بقدر الإمكان بين أيدي أكثر الناس بوجه حق، والذي يُميز الرؤية الإسلامية للبيع أنها تضمن تحقيق الحِكمة الأساسية من مشروعية البيع بحق، إذ تُبطل كل معاملة تُؤدي للحصول على المال بطرق غير مشروعة، وتُيسر كل معاملة تضمن دوران المال بين أيدي آحاد الناس بألا يكون مستقرًا في أيدي قليلة وهو مقتضى قول الله تعالى: {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} [سورة الحشر: آية 7].
ولذلك لو تأملنا هذه الآية بالتحديد في ظل ما ترتكز عليه عمليات الإقراض في البنوك من كون الجدارة الائتمانية أي الملاءة والقُدرة المالية للمُقترِض؛ المعيار الأساسي لتحديد سعر الفائدة؛ فكلما كانت الملاءة أكبر كان معدل الفائدة أقل، والعكس بالعكس، ما معناه أن المنشأة الأكبر ستكون أقدر على الحصول على أموال أكثر بسعر أقل، خلافًا للمشروعات المتوسطة والصغيرة؛ سنعرف أن الأموال في الحقيقة ستظل أكثر تداولًا بين الأغنياء بوصفهم بيئة آمنة – من وجهة نظر البنوك – لحركة المال.
وسنجد الشريعة تنهى أيضًا الشريعة عن المُحاقَلَة [14] والمُخاضَرَة [15] والمُلامَسَة [16] والمُنابَذَة [17] والمُزابَنَة [18]والمُعاوَمَة [19] وبيع السِّنِين والثُّنيا [20]، وكلها بيوع كانت شائعة عند العرب ترتبط بجهالة تعيين الالتزام، أو بوصفه، أو بإيجاده، أو القُدرة عليه، أو بحدوده وقدره، أو سلامته وبقائه، فحُرمت لأجل ما فيها من أكلٍ لأموال الناس بالباطل بسبب الغرر والجهالة، ولأنها تُؤدي إلى النزاع والشحناء وانقطاع العلاقات بين الناس، لما فيها من الاحتمال والمجازفة، وهو سر إبطال عقود المُستقبليات والمشتقات والتأمين التجاري، لأنه لا يمكن ضبط العناصر المذكورة في الالتزام بالوصف الذي لا يُفضي إلى التنازع ويخرج الالتزام عن حدود ما نُهي عنه.
وعلى العكس من ذلك تمامًا، سنجد الشريعة تسمح بـ “السَّلم“، وهو بيع آجل بعاجل، معاملة أو عقد أو بيع من البيوع يقع على موصوف في الذمة مؤجل، بثمن معجل مقبوض بمجلس العقد، كان يُعرف عند العرب ويشتهر في خصوص بيع المحاصيل الزراعية، فهذا البيع رغم إن المُثمن فيه مؤجل وغير موجود، لكن الشرع أباحه ولم يمنعه بنص حديث النبي صلى الله عليه وسلم، إذا كان المثمن محدد الأوصاف، لماذا؟
لأنه مُفضي إلى زيادة المعروف بين الناس، فالسَّلم في حقيقته يستبطن نوع من الإقراض ورعاية مصالح الناس، لذلك اصطلح في تسميته أيضًا بـ “السَّلَف“.
فلا نستغرب أن تنهى الشريعة عن الاحتكار وعن البيع قبل قبض المبيع؛ لأن فيهما منع رواج المبيع في الناس وتعسير الحصول عليه، والأصل التيسير على الناس ورعاية مصالح الجماعة وترسيخ معنى نقاء الكسب.
ولنا أنا نعلم أن من أهمية هذا الأمر، وحرص الشريعة عليه وضبطها له، أن الفقهاء الذين جوَّزوا على الكراهة عند بعضهم مُشاركة اليهودي والنصراني في العمل؛ اشترطوا ألا ينفرد أحدهما بالمال دون المسلم، ويكون المسلم هو الذي يتولى إدارة المال لأنهما يعملان بالربا، وبهذا قال الحسن والثوري وأحمد وغيرهم، في حين كره الشافعي مُشاركتهم مُطلقًا، لما روي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: أكره أن يُشارك المسلم اليهودي، ولا يُعرف له مُخالف في الصحابة [21]، وبالطبع المسألة فيها تفاصيل أخرى، لكن أذكرها فقط لأُبين كيف راعى الفقه وحرصت الشريعة على فكرة نقاء الكسب.
وهكذا، فالرؤية الإسلامية لا تُؤكد فقط على مشروعية العقود، بل تُحيطها بسياج من النقاء في غاية الإحكام، بحيث تتحقق الحِكمة من البيع والقرض وسائر العقود حقًّا، وهي تعميق العلاقات الاجتماعية وتحقيق التماسك الاجتماعي.
وكل هذا لا تستوعبه بنية الدولة الحديثة وفي القلب منها منظومة البنوك التقليدية التي هدفت بالأساس إلى مضاعفة الربح على حساب زيادة التماسك الاجتماعي وتوسيع المسافات الطبقية على حساب تعميق العلاقات الاجتماعية، وهذا أمر طبيعي لأنها منظومة نشأت في أحضان المادية الغربية والرأسمالية، ولذلك كانت مهمة البنك الأساسية هي “الإقراض” بفائدة المال؛ وهذا أمر مجمع عليه بين كل فلاسفة الاقتصاد تقريبًا، ولا كلام لهم إطلاقًا عن “الاستثمار”، إنما نشأت الوظيفة الأخيرة تبعًا، وهي غير ملزمة لمنظومة البنك، فالبنوك عملها صناعة المال، والفائدة ما هي إلا تعويض عن الوقت الذي يتخلى فيه الدائن (وهو البنك هنا) عن فائدة إنفاق المال، وهو وجه من وجوه تسميتها بـ “الفائدة” عند البعض.
فالزمن هو المنتج الذي يُدفع لقاؤه الفائدة، وهو عنصر – أي الزمن – لم يدع الشرع تقريبًا بابًا من الأبواب الشرعية أو حكمًا من الأحكام الشرعية إلا ضبطه فيه وأحاطه بقيود صارمة في منتهى الصرامة، ولم يتركه مجالًا لعبث العابثين، سواء في الزواج والطلاق والجنائز والعبادات والمعاملات، فما بالنا بالاتجار فيه.
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول، فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: «الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ لاَ فَضْلَ بَيْنَهُمَا، وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ لاَ فَضْلَ بَيْنَهُمَا» [22]، قال أبو سعيد الخُدري رضي الله عنه: “الدينار بالدينار، والدرهم بالدرهم، مثلًا بمثل، من زاد أو ازداد، فقد أربى” [23].
والربا في اصطلاح فقهاء المسلمين هو زيادة مال في معاوضة مال بمال دون مقابل، وربا الديون الذي كان شائعًا قبل الإسلام هو الزيادة في الدين مقابل الزيادة في الأجل، وهو أشهر أنواع الربا وأشدها قبحًا، والفائدة: زيادة في المال مقدمًا زمنًا نظير إقراض المال واقتراضه، لذلك ذهبت إلى حرمتها؛ المجامع الفقهية المُعتبرة والأئمة المجتهدين في العالم الإسلامي، لأن النقود لا تصلح بنفسها لخلق قيمة مضافة، إلا إذا امتزجت بعناصر الإنتاج الأخرى والتي ترتد جميعًا لنشاط أو عمل.
بالطبع وجود بعض الفتاوى المعاصرة القليلة جدًّا التي سمحت بها كفتوى د. سيد طنطاوي وغيره، لكنها لا تعدو من قبيل الشذوذ الفقهي الذي يقف خلفه اعتبارات سياسية للمفتي ناتجة عن علاقته بالسلطة، فلا تأثير لهذه الفتاوى على إجماع المجامع الفقهية والفقهاء المعاصرين.
ولنا أن نعلم أن الكنيسة الكاثوليكية في أوروبا في العصور الوسطى كانت تشتد في تحريم الفوائد على الأموال، التي كانت تنتشر بين اليهود، وكان مجرد الدفاع عنها كان يعتبر بدعة في نظرهم، حتى أن اللاهوتي الإيطالي أنسلم كانتربري(١٠٣٣: ١١٠٩م) كان يعتبرها مثل السرقة!
ومن الأمور اللافتة للانتباه أن حتى المُؤشّرات الغربية التي يعتمد عليها عمل أسواق المال، والتي لها إصدارات ذات صبغة إسلامية، اعتمدت في قوائمها على استبعاد البنوك والمؤسسات المالية التي تُقرض وتقترض بفائدة، مثل المُؤشّر الأمريكي دار جونز لسوق المال الإسلامية، والمُؤشّر البريطاني فايننشال تايمز الإسلامي العالمي، وغيرهما من المُؤشّرات الغربية!
فلا يمكن فصل فكرة البنك في شكله التقليدي عن الربا، فالربا كان دافعًا أساسيًا لنشأته، فالفكرة الأساسية التي ينطلق منها عمل البنك في التصور العام هو تعظيم الربح، وهي بالمناسبة الفكرة ذاتها التي ينطلق منها عمل المصرف الإسلامي لكن المالية الإسلامية المفترض أنها لا تقبل هذا إلا على وجه مشروع، وهو لا يتحقق إلا ببذل العمل وتحمل المخاطر لأن الغُرم بالغنم والخَراج بالضَّمان، أي تملك الخراج وهو الدخل والمنفعة بضمان الأصل، فما خرج من الشيء من عين ومنفعة وغلة، فهي للمشتري عوض ما كان عليه من ضمان الأصل؛ فإنه لو تلف المَبِيع كان من ضمانه، لأن الغُنم في مقابلة الغُرم.
فتعظيم الربح في البنوك التقليدية يعتمد على أمرين:
الأول: الفائدة: انطلاقًا من الفرضية التي يذكرها مولينا Molinaأن “النقود هي أداة التجارة بالنسبة للتاجر” [24]، فالفائدة ببساطة هي ثمن يُدفع مقابل النقود المقرضة أو كما تقول باربون Barbon: “الفائدة هي ريع رأس المال” [25].
الثاني: الإيداع: فالمودعون يضعون أموالهم في البنوك، لكنهم يواصلون الإنفاق بواسطة صكوك وبطاقات بدلًا من العملة، ورغم أنهم يواصلون ذلك كما لو أنهم قد احتفظوا بأموالهم حقيقةً، فإن المقترضين بدورهم ينفقون هم كذلك من المبالغ نفسها في الوقت نفسه.
فالبنك يتضمن عددًا هائلًا من الأرقام، هذه الأرقام هي فقط؛ التي تحوز الحق القانوني في الحماية، والودائع تنال حمايتها بقدر حماية هذه الأرقام، لا الأموال ذاتها التي تخدم ضمن حدود واسعة جدًّا، بالطبع هي لا تقرض الودائع التي أودعت لديها، ولا تخلق النقود – رغم أن بعضهم مثل هارتلي ويذرز Hartley Withers (1867: 1950م) اعتبر البنوك صناع نقود – لكنها تخلق رأسمال مُعتبَرًا يتعذر خلقه دون هذه الممارسة، ومن ثمَّ الديون الربوية تفوق قيم الأصول الحقيقية بمراحل.
بينما صناعة الربح في المصارف الإسلامية من المفترض أن تعتمد على العمل، لا الخروج من مأزق المراباة كما هو الحال في الصيرفة الإسلامية الجارية، والعمل هو الذي سيخرجها من مأزق المراباة، فجُل تلك المصارف تعمل بنفس الفكر الرأسمالي للبنوك التقليدية مع التركيز على الحد من الربا في أعمالها؛ من خلال العقود القائمة على الديون وفي مقدمتها بالطبع نظام المرابحة، دون اكتراث كبير بالعمل وتقاسم المخاطر.
فأغلب المصارف الإسلامية غلّبت المرابحة التي هي على النحو الذي تُجريه المصارف حاليًا أقرب وسائل التمويل إلى نظام الإقراض الربوي [26]، وغيّبت البدائل الشرعية كالمشاركة والمُضاربة والمزارعة والاستصناع وغير ذلك، حتى أن د. يوسف القرضاوي أعتبرها أقرب وسائل التمويل إلى نظام الإقراض الربوي، بسبب ما يشوبها من المحاذير والمشكلات الشرعية، فإذا ساغ لنا تسكين العقود الشرعية والربوية على خط مستقيم فستأتي المرابحة في نهاية العقود الشرعية، حيث يتم تسكين العقود الربوية بعدها مباشرةً، ذلك أن مرتكز العقود الشرعية هو العمل، ومرتكز العقود الربوية هو المال، والمرابحة خليط بين هذا وذاك، فأي جور على محور العمل فيها لصالح المال يؤول بها إلى أن تصير نوعًا من العقود الربوية!
فالمفترض في المصارف الإسلامية حظر ممارسة العمليات والخدمات المصرفية والاستثمارية على أساس “الفائدة” بجميع صورها وأشكالها، فالأصل ألا يمارس المصرف الإسلامي عملية “الإقراض” مطلقًا، فبينما تتعلق التجارة التي يمارسها البنك التقليدي على المال فتعتمد على الفائدة، تتعلق التجارة التي يمارسها المصرف الإسلامي على العمل فتعتمد بالأساس على النشاط.
لكن الواقع، أنه في غالب الأحيان لم يكن الهدف من إنشاء المصارف الإسلامية إقامة نظام مصرفي على الإسلام وتغيير المجتمع وفق أحكام الشريعة للمال والاستثمار، إنما كان الهدف بالأساس اجتذاب الإدخار الشعبي المتدين والمحافظ، وتصريفه، واكتساب عملاء جُدد استعصى على الرأسمالية التقليدية أن تقنعهم، ففي الحقيقة لا يمكن اعتبار تجربة المصارف الإسلامية حتى الآن تجربة ناجحة في ترجمة مبادئ الشريعة إلى واقع بأي حال من الأحوال، فالحد من الربا لا يمكن أن يكفي وحده لقيام نظام مالي أو اقتصادي بديل للنظام الرأسمالي.
في الحقيقة إن من أهم ما دفع وحفز على نشأة المصارف الإسلامية قبل أي كلام عن كفاءتها في الصناعة المالية؛ تعاظم الصناعة البنكية في العالم وزيادة حجمها وتعقيدها وترابطها وثقة الجماهير فيها، حتى أن موقع جالوب الشهير قام بقياس ثقة الجماهير في الولايات المتحدة في المؤسسات عام 1979م، فجاءت البنوك في المرتبة الثانية بعد الكنيسة مباشرةً، حيث تتمتع بثقة أكثر من 60٪ من الأمريكيين، لدرجة افترض معها الاقتصاديون قاعدتهم “أكبر من أن تفشل Too big to fail” في إشارة إلى أن فشلها غير متصور! ويبدو أنهم أرادوا؛ لا يمكن تركها تفشل، آية ذلك ما حصل في أعقاب الأزمات المالية العالمية عامي ١٩٨٢م و ٢٠٠٨م، حين تدخلت الحكومات لإنقاذ بنوكها من الإفلاس وضخت لأجل ذلك مليارات الدولارات! لأن فشلها ما هو إلا كارثة ستحيق بالرأسمالية قبل كل شيء، وهذا في ذاته يضمن استمرار عمل البنوك لا صناعتها على الحقيقة، ومنه يُعلم زيف ما قرره الاقتصاديون من أن الفشل جزء لا يتجزأ وجزء ضروري من نظام السوق!
ومنه نفهم أو نعرف لماذا لم تنجح تجربة المصارف الإسلامية حتى الآن نجاحًا حقيقيًا من وجهة إسلامية! قد تكون نجحت بمعايير الرأسمالية، خاصةً معيار “الربحية”، لكن من الوجهة الشرعية أو الإسلامية، فنجاحها ليس حقيقيًا للأسف، ذلك أن أهم سمة في العمل المصرفي الإسلامي ينبغي أن يكون هو “تقاسم المخاطر”، لأن أنشطتها يجب أن تقوم في الأساس على الاستثمار النوعي الحقيقي الذي تزيد فيه المخاطرة خلافًا للإقراض النقدي، فقُدرة البنك التقليدي على خلق النقود وزيادة العرض النقدي تعتبر كبيرة جدًّا بالمقارنة بما عليه الحال في المصرف الإسلامي الذي يُمارس عمله على أُسس شرعية صحيحة.
ومن ثمَّ فليس ثمة التزام على المصرف الإسلامي بضرورة رد الأموال المودعة لديه كاملةً لأصحابها، لأنها ليست مضمونة على المصرف كما هو الحال بالنسبة للودائع الآجلة في البنك التقليدي، والتي تعتبر ديونًا في ذمته، بخلاف المصرف الإسلامي الذي لا يضمن سوى الودائع الجارية باستحقاقه ربحها تطبيقًا للقاعدة الفقهية المأخوذة من قول النبي صلى الله عليه وسلم: «الخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» [27]، أي ملك الخراج وهو الدخل والمنفعة بضمان الأصل.
وهذا الأمر الجوهري يجعل عمل المصرف الإسلامي – في ظل ضعف البنية الدينية في المجتمع، وخاصةً الوعي بطبيعة النشاط الاقتصادي في التصور الإسلامي – في غاية الصعوبة إذ هو كفيل بذاته بطرد رأس المال أو بعبارة أوضح تنفير الجمهور، لذلك كثيرًا ما تُخفي المصارف الإسلامية هذه الحقيقة، ولا تركز في دعوة العملاء على حرصها على تجنيبهم إثم الربا، بل تركز أكثر على قدرتها على تثمين المال وتربيحهم.
فلا ريب أن أصحاب رءوس الأموال إما أن يدخروها أو ينفقونها في الاستهلاك أو يستثمرونها أو يُقرضوها، هذه هي الاحتمالات الأربعة الوحيدة للتصرف في المال، وحقيقة الائتمان تكمن في الخيارين الأخيرين؛ “الاستثمار” و”الإقراض“، والبنوك – في العادة – إنما تحاول أن تقوم بدور الوسيط بين صاحب المال وبين هذين الخيارين، فالبنك إما أن يستثمر بالنيابة عنهم أو يُقرض الآخرين بالنيابة عنهم، شاء صاحب المال أو أبى؛ ما دام قد ارتضى إيداع أمواله في البنك، فمن أين يتحصل البنك على أجره الذي يستطيع الوفاء من خلاله بالتزاماته الإدارية والوظيفية، لاسيما وأن صاحب المال لا يكتفي بإنابة البنك عنه في العمل، بل يطمع من وراء ذلك في الحصول على أكبر نسبة ممكنة من الربح والعائد؟!
لا شك أن البنك سيحصل عليه من عائد الاستثمار أو الإقراض، ولأن البنوك لا تستطيع أن تتحمل فكرة احتمال المخاطرة بأموال المودعين، لأن معنى ذلك عدم الوفاء بها فور طلبها، فضلًا عن الوفاء بالأرباح التي وعدوا بها من قِبل البنك؛ فاستقرت وظيفة البنك عند “الإقراض“، لأن عوائده – مع فكرة الضمان والكفالة – تكاد تكون مضمونة، فالبنك يتسلم أموال المودع مع وعد بردها بفائدة ١٪ ثم يُقرضها للمقترض مع أخذ الضمانات الكافية بردها بفائدة ١٠٪! وربما – وهو الغالب – أقرض المبلغ المودع نفسه مرتين وثلاث وأربع، بل أكثر من خلال آليات مصرفية مختلفة مثل “الشيكات”، “الاعتمادات المستندية”، “الكفالة”.. الخ التي لا يُسلم فيها أموالًا إنما مجرد أوراق مضمونة السداد.
وهذا ما تعتمد عليه عمليات المراباة، حيث يُعطي البنك منه المودع؛ الفُتات، ويعطي الدولة ممثلة في البنك المركزي منه قدرًا آخر، ويختزل النصيب الأكبر لنفسه، ولا مجال لتكييف هذه العوائد على أنها عوائد عمل البنك، لأن البنك لا يعمل ولا يصح له ذلك وليست هذه وظيفته، وعلى هذا استقرت كلمة جُل علماء الاقتصاد ومنظري الائتمان منذ منتصف القرن التاسع عشر؛ البنك وظيفته الأساسية “الإقراض”!
وبما أن المُقرض يفرض في غالب الأحيان معايير ائتمانية صارمة على المُقترض؛ فإن المشروعات التي يمول البنك أصحابها في الغالب ما تُجهَض وتُثبَطّ، فضلًا عن تأثيرها على المستوى العام لأسعار السلع والخدمات في المجتمع، لأن الفائدة هي محرك رئيسي للارتفاع المُفرط أو المستمر للأسعار الذي يعبرون عنه بـ “التضخم”، لأن زيادة الفوائد معناها زيادة تكاليف الإنتاج، ما يؤدي بالضرورة إلى زيادة الأسعار لتعويض زيادة الفوائد!
وهو ما يمكن أن يُجيب جزئيًا باختصار شديد عن سؤال: لماذا يفشل المجتمع في ظل نظام البنوك؟! أو بتعبير آخر؛ لماذا لا ينجح نظام البنوك في إحداث عمران مجتمعي؟! ولماذا يزيد الفقر والتدهور؟!
وبالمناسبة، نستطيع أن نأخذ هذه الصورة المصغرة ونكبرها، لنعرف لماذا تفشل الدول النامية دائمًا مع صندوق النقد الدولي والقروض الدولية وبنوك التنمية؟! ولماذا يزيد تخلفها؟!
في مقابلة أجرتها مجلة “المعرفة” في كلية وارتون بجامعة بنسلفانيا في إبريل ٢٠١٢م، مع كريستن لاجارد مديرة صندوق النقد الدولي سُئلت: من بين كل الأشياء التي تفعلها في صندوق النقد، ما هو أكثر شيء تحمست له؟ وما الذي تريد حقًا التأكد من حدوثه؟
فأجابت: “هذا أمر معقد، هذه مؤسسة رائعة للغاية لأنها معاكسة للتقلبات الدورية تمامًا، عندما ينحدر العالم المحيط بصندوق النقد الدولي؛ فإننا نزدهر، نُصبح نشيطين للغاية لأننا نُقرض المال ونكسب الفوائد والرسوم وأشياء أخرى، وتعمل المؤسسة بشكل جيد، لكن عندما يسير العالم على ما يرام ويكون لدينا سنوات من النمو – كما كان الحال في عامي ٢٠٠٦ و ٢٠٠٧ – فإن صندوق النقد الدولي لا يسير على نحو جيد من الناحية المالية وغير ذلك” [28]!
فلا نستغرب حين نعرف أن الاقتراض من البنوك كان أحد العوامل الأساسية في الأزمة المالية الآسيوية عام ١٩٩٧م، فمنذ منتصف التسعينيات كان لدى تايلاند وإندونيسيا وكوريا الجنوبية عجزًا كبيرًا، وشجع الاقتراض الخارجي على الحفاظ على أسعار الصرف الثابتة ما أدى إلى التعرض المفرط لمخاطر الصرف الأجنبي في كل من القطاع المالي وقطاع الشركات.
فهذه المؤسسات لا تزدهر إلا على حساب الفقراء وغير القادرين، مقدرة الناس تعني لها مزيدًا من البطالة والعطالة، وبؤس العالم يعني لها مزيدًا من الأعمال والنشاط والدخول!
ولذلك سنجد أن من أركان عمل المصرف الإسلامي الذي ينبغي أن تكون؛ تقديم أنشطة اجتماعية لا توفرها البنوك التقليدية، منها على سبيل المثال: القروض الحسنة وإنشاء المشروعات الصغيرة لبعض فئات المجتمع، وجمع أموال الزكاة وإنفاقها في مصارفها الشرعية من خلال ما يُعرف بصندوق الزكاة، والأنشطة الاجتماعية التكافلية ككفالة الأيتام ومساعدة الفقراء وذوي الاحتياجات الخاصة، بالإضافة للأنشطة التثقيفية الشرعية الدعوية الاقتصادية والمالية، وهو الطابع الذي يُميز العمل المؤسسي الإسلامي عامة.
ذلك أن الشريعة تُدرك جيدًا أن حاجات الناس لا تنقطع، وأن إعانتهم ضرورة، وإهمال الجانب الاجتماعي في النشاط المالي يؤدي ولابُد للتورط في المعاملات المحرمة، لذلك مثلًا يذكر بعض المؤرخين أنه بعد إعلان إقامة النظام المصرفي الإسلامي في إيران عام ١٩٨٣م؛ برزت مع الوقت سوق سوداء للقروض الربوية وصلت نسبة الفائدة فيها نحو ٢٠٪! فأي نظام مالي إسلامي لا يُراعي فتح مجال سد الحاجات الاجتماعية للناس سيخلق بالضرورة إلى جواره جيوبًا للمعاملات غير الشرعية التي يمكن من خلالها سد هذه الحاجات، فتجنب التعاون على الإثم والعدوان فرع عن التعاون على البر والتقوى.
———-
[1] صحيح: أخرجه البخاري في صحيحه (1741/كتاب الحج)، ومُسلم في صحيحه (1679/كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات) كلاهما من حديث أبي بَكْرة رضي الله عنه.
[2] صحيح لغيره: أخرجه أحمد في مسنده (5/113)، والطحاوي في معاني الآثار (4/241)، والدارقطني في سننه (3/423)، والبيهقي في سننه الكبرى (٦/١٦٦)، والخرائطي في مساوئ الأخلاق (307)، جميعهم بسند ضعيف من حديث عمرو بن يَثْرِبِي رضي الله عنه بزيادات في المتن، وله شواهد عدة منها ما أخرجه الحاكم في المُستدرك (1/171)، والبيهقي في سننه الكبرى (٦/١٦٠) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، بلفظ: «لاَ يَحِلُّ لاِمْرِئٍ مِنْ مَالِ أَخِيهِ إِلاَّ مَا أَعْطَاهُ مِنْ طِيبِ نَفْسٍ، وَلاَ تَظْلِمُوا، وَلاَ تَرْجِعُوا بَعْدِى كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ».
[3] أي التجاوز والعفو عما يُصيب الإنسان من مكاره في ماله في البيوع والمعاملات، ووردت في الأصل في بيوع الثمار لما يُصيبها من آفات.
[4] صحيح: أخرجه مسلم في صحيحه (١٥٥٤/ كتاب المُساقاة) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
[5] صحيح أخرجه مسلم في صحيحه (١٢١٨/ كتاب الحج) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
[6] Benbassa, Ester., & Rodrigue, Aron.; Juifs de Balkans, Espace Judéo – İberiques XIV é – XX é Siècles, Paris, Editions La Decouverte, 1993, s. 104.
نقلًا عن: أحمد حكمت أر أوغلو: اليهود في الدولة العثمانية حتى نهاية القرن التاسع عشر، ترجمة: أحمد عبد الله نجم، مركز أركان للدراسات والأبحاث والنشر (القاهرة)، الطبعة الثالثة ١٤٤١هـ / ٢٠٢٠م، ص ١٧٠.
[7] صحيح أخرجه البخاري في صحيحه (٦٤٨٧/ كتاب الرِّقاق) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، ومسلم في صحيحه (٢٨٢٢/ كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
[8] محمد بن عمر الرازي: مفاتيح الغيب (التفسير الكبير)، دار إحياء التراث العربي (بيروت)، الطبعة الثالثة ١٤٢٠هـ، ج ٧ ص ٧٦.
أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي: زاد المسير في علم التفسير، تحقيق: عبد الرزاق المهدي، دار الكتاب العربي (بيروت)، الطبعة الأولى ١٤٢٢هـ، ج ١ ص ٢٤٧.
[9] كاتب وقاضي هندي، كان مواليًا للسياسات الإنجليزية ولشركة الهند الشرقية أثناء الاحتلال الإنجليزي للهند، دعا إلى تطوير التعليم الهندي على النمط الإنجليزي، وتعميم الأردية واعتمادها كلغة رسمية للبلاد، والوحدة بين المسلمين والمسيحيين والبوذيين بوصفهم أمة واحدة هي الأمة الهندية قبل أن يتحول إلى فكرة فصل الدولتين الباكستانية والهندية، وكان من أهم ما دعا إليه؛ إصلاح العلوم الإسلامية من خلال التقاليد العقلانية، وإعادة تفسير القرآن لجعله متوافقًا مع الحداثة بوصفه يقوم على تقدير العقل والقانون الطبيعي وهو ما يجب إخضاع السُّنة له.
[10] وهو أمر تكلمت عنه بالتفصيل في كتاب: الشريعة والتحديث: مباحث تاريخية واجتماعية في تقنين الشريعة وتطبيقها، مركز أركان للدراسات والأبحاث والنشر (القاهرة)، الطبعة الأولى ١٤٤٣هـ / ٢٠٢١م، ص ٨٥ وما بعدها.
[11] يقصد في القانون المدني.
[12] عبد الرزاق أحمد السنهوري: الوسيط في شرح القانون المدني، دار النهضة العربية (القاهرة)، طبعة ١٩٨٢م، ج٢ م٢ ص ١١٥٢.
[13] محمد سعيد العشماوي: معالم الإسلام، سينا للنشر (القاهرة)، الطبعة الأولى ١٩٨٩م، ص ٢٥٤.
[14] مأخوذة من الحقل، وهي المزارعة بالثلث والربع ونحوه.
[15] بيع الثمار وهي خُضْر لم يبْدُ صلاحُها، يُسمّي ذلك مخاضرة؛ لأنَّ المتبايعين تبايعا شيئًا أخضر.
[16] أن يقول البائع أو المشتري: إذا لَمَسْتَ ثوبي أو لَمَسْتُ ثوبك فقد وجب البيع، وقيل: أن يَلْمَسَ المتاعَ من وراء ثوبٍ ولا ينظر إليه ثم يوقِعُ البيع عليه، وكانت من بيوع أهل الجاهلية فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها لأنها غرر كلها.
[17] أن يقول البائع أو المشتري: انبذ إليّ الثوب أو غيره من المتاع أو أنبذُه إليك وقد وجب البيع بكذا، وقيل: أن ينبذ الحجر ويقول إذا وقع الحجر فهو لك، وهو نظير بيع الحصاة.
[18] وهو بيع الثَّمر في رؤوس النخل بالتمر كيّلًا، وإنما جاء النهي فيه لأنه من الكيل وليس يجوز شيء من الكيل والوزن إذا كانا من جنس واحد إلا مثلًا بمثل ويدا بيد، وهذا مجهول لا يعلم أيهما أكثر، ونقل ابن قتيبة في غريب الحديث (١/ ١٩٣) عن أهل اللغة أنه سُمّيَ مُزابَنة لأن المُتبايعَيْن إذا وقفا فيه على الغَبْن؛ أراد المغبون أن يفسخ البيع وأراد الغابن أن يمضيه فتزابنا أي تَدافَعا واختصما.
[19] وهي مُفاعَلة من العام (السَّنة)، وهو نفسه بيع السِّنين، وهو أن يبيع ثَمرة نخلة لأكثر من سنة، ونُهَي عنه لما فيه من الغرر لأنه بيع ما لم يُخْلَق.
[20] وهو أن يُسْتَثْنى في عقد البيع شيء مجهول، لأنه لا يُدرى لعل ما استثناه يأتي على جميعه إن كان ممن لا يؤمن هذا فيه ولا يُدرى كم يبقى منه.
[21] عبد الله بن قدامة الحنبلي: المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل، مكتبة القاهرة (القاهرة)، طبعة ١٣٨٨هـ / ١٩٦٨م، ج ٥ ص ٣.
[22] صحيح: أخرجه مسلم في صحيحه (١٥٨٨ /كتاب المُساقاة) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[23] صحيح موقوف: أخرجه البخاري في صحيحه (٢١٧٨، ٢١٧٩/ كتاب البيوع)، ومسلم في صحيحه (١٥٩٦ /كتاب المُساقاة)، كلاهما موقوفًا على أبي سعيد الخُدري رضي الله عنه.
[24] جوزيف شومبيتر: تاريخ التحليل الاقتصادي، ترجمة: حسن عبد الله بدر، المركز القومي للترجمة (القاهرة)، الطبعة الأولى ٢٠٠٥م، ج ١ ص ٤٦٨.
[25] جوزيف شومبيتر: تاريخ التحليل الاقتصادي، مرجع سابق، ج ١ ص ٤٦٩.
[26] للتوسع انظر: “حول المُخالفات الشرعية في العمل المصرفي الإسلامي”، في الفصل الخامس من كتابي: إصلاح المال بين الرُّشد الإسلامي والاقتصاد المأزوم، مركز أركان للدراسات والأبحاث والنشر (القاهرة)، الطبعة الأولى ١٤٤٤هـ / ٢٠٢٣م، ص ١٧٧ وما بعدها.
[27] حسن: أخرجه أبو داود في سننه (3508، 3510/ كتاب الإجارة)، والترمذي في سننه (1285/ كتاب البيوع)، والنسائي في سننه (4490/ كتاب البيوع)، وابن ماجة في سننه (2242، 2243/ أبواب التجارات)، وأحمد في مسنده (6/49، 208، 237)، وغيرهم، من طرقٍ عدة تُعضد بعضها عن عائشة رضي الله عنها.
[28] Lagarde, Christine.; Emerging Market Nations Will Get More Power in the IMF, Knowledge at Wharton Podcast, A business journal from the Wharton School of the University of Pennsylvania, April 3, 2012.