وكثير من المصادر الغربية يغلب عليها الطابع الحداثي في قراءة الأحداث التاريخية أو تحليلها، ذلك أنها اعتبرت الشريعة مثل القانون – والأمر ليس كذلك – نشأت وتطورت تبعًا لنمو المجتمع وتطوره، فأخضعت كل مجريات تاريخ التشريع الإسلامي لهذا المبدأ! في حين أن الشريعة سابقة على وجود الدولة لا مسبوقة بها، حاكمة للمجتمع لا محكومة به، والذي يتطور إنما هو وعي الناس بها.
آخر تحديث: ١٨ فبراير ٢٠٢٣م
تمهيد:
إن تاريخ التشريع الإسلامي موضوع بحث كبير، متشعب الأطراف، وافر العناصر، غزير المعلومات، يتطلب سعة إطلاع وعمق في البحث يستقصي الفكرة والمعلومة من كل جوانبها، واتزان في الفكر يحفظ من الخلل في فهم الوقائع ووجهات النظر، ونَفْس زكية تصون عن التعسف في الاستنباط.
وأهمية دراسة هذا النوع من العلوم، لا ينطلق من الماضي بقدر ما ينطلق من الحاضر، فمن الصعب استيعاب النظم القانونية في حالتها الراهنة أو تطويرها، دون الرجوع إلى نشأتها وأصولها وتطورها في الماضي، فالتاريخ في العلوم الاجتماعية كالتجربة في العلوم الطبيعية، لا مناص عنه لاستخلاص النتائج الصحيحة والحقائق الثابتة في هذه العلوم.
لذلك فلاسفة القانون يقولون: إن القاعدة لا يمكن أن نفهمها على وجهها الصحيح إلا إذا أرجعناها إلى أصولها التاريخية، ولذلك شبه بعض هؤلاء الفلاسفة القاعدة القانونية في مهدها الأول بالنسبة للعلم القانون بطبقات الأرض الأولى بالنسبة لعلم الجيولوجيا، فهذه الطبقات الأولى كانت تحتوي على جميع القوى الكامنة التي أثرت في شكل الكرة الأرضية وطبقاتها المختلفة.
وما هو تاريخ القانون، أو تاريخ التشريع إذن؟
إذا كان تاريخ النظم السياسية هي دراسة للأحداث السياسية وما أدت إليه من أوضاع، ودراسة تاريخ الاقتصاد هو دراسة كيف وزعت الثورة وتطورت الموارد، فإن دراسة تاريخ القانون هو دراسة لنظام العلاقات بين الناس، أسرة، تعاقد، ملكية، ولا يعنيه هنا دراسة ما تنطوي عليه من الظواهر الاجتماعية، إنما يعنيه بالأساس اكتشاف كيف نُظمت الصلات التي تتولد عن هذه العلاقات [١]، ولهذا لا يقدر عليه أي باحث في القانون، إذ هو يسبر أغوار المظاهر والأوضاع التي شكلت القاعدة القانونية، والأسباب والعوامل التي أدت إلى نشوئها وتطورها، لذلك فهو يتضمن بالضرورة البحث في مصادر القانون ودور كل منها في تكوين التشريع.
وهذا المقال، وإن كان يُعد بحثًا نقديًا بالأساس، أردت التركيز فيه على أهم الإشكاليات التي وقعت فيها بعض المصادر [٢]، العربية والغربية، في تاريخ التشريع الإسلامي، هذه الإشكاليات التي أدت إلى الخطأ في فهم تأثيرات الشريعة التاريخية، أو الخلل في فهمها نتيجة ضعف تناول المباحث وإشباعها بالدراسة، لكني حاولت أن أُقدم فيه صورة عامة عن هذه المصادر مشيرًا إلى بعض وجوه أهميتها الخاصة، وهي في الحقيقة بمثابة خلاصات دونتُها على هوامش الكتب خلال فترة زمنية طويلة زُهاء خمسة وعشرين عامًا عاينتُ فيها “القانون والشريعة” طالبًا وباحثًا وقاضيًا ومحاميًا ومحكمًا ومحاضرًا وكاتبًا.
وبشكل عام، وبغض النظر عن الملاحظات التي سأُبديها حول بعض المصادر والمراجع – وهي مجرد تمثيلات – في هذا المقال؛ فإن جُل مصادر التنظير في تاريخ التشريع الإسلامي؛ اعتبرت الشريعة أو الفقه علمًا نظريًا خالصًا معزولًا عن بنية الدين وعن حركة المجتمع الإسلامي، فلا نكاد نرى اعتبارًا للبُعد الوجداني والروح الإيمانية والطابع الفِطري التي ميزت التصورات الإسلامية، ولها تأثيرها الكبير في فهم التاريخ التشريعي، فنجد إغفال تام لموضوعات مثل “التزكية” و “الطاعة” وتأثيرها على العديد من القضايا والمسائل في تاريخ التشريع، نحو علاقة العلماء بالسلطة، ونحو جدليتي الرأي والحديث، والقياس والنص، وغيرها من القضايا.
وفي حين نجد المؤلفات العربية لم تكن بالتعمق الكافي الذي كانت عليه المراجع الغربية فيما يخص أحوال التشريع الإسلامي وتحولاته الحقيقية واتجاهاته، ولم تبد سوى اهتمام ضعيف بالتحولات التاريخية في القيم العملية الإسلامية؛ نجد المؤلفات الغربية رغم عنايتها بتطور أحوال التشريع واتجاهاته وتعمقها في التفاصيل؛ تنطلق من فرضيات متوهمة ومغالطات فجة، في ظل قضايا مشتركة دائمًا ما يتم تناولها في تاريخ التشريع الإسلامي، حتى يمكن اعتبارها الشغل الشاغل للباحثين الغربيين، ويوحي بكونها مصدر قلق للذهنية الغربية، ومن أهمها: تأثير الشافعي في تكوين التشريع، ومعقولية علم الحديث، وعلاقة القياس بالنص في قضية الفهم، وتأثير محمد عبده في إحياء الشريعة.
فهذه الموضوعات في الغالب الأعم مصدر الإشكاليات والأخطاء عند المنظرين الغربيين نتيجة عدم الاستيعاب الكافي لبنية الشريعة، وهو ما أقر به بعض الغربيين أنفسهم مثلما ذهب وائل حلاق في مقدمة كتابه (الشريعة: النظرية والممارسة والتحولات) فقال: “مجمل الخطاب الغربي المتعلق بالشريعة كان متخبطًا، وينطوي على تناقضات ومغالطات خطيرة، ولذلك يحتاج إلى استبدال كامل” [٣].
وإذا أردنا أن نشير في عجالة عن موارد هذه المراجع والمؤلفات، أو بالأحرى مصادر تاريخ التشريع الإسلامي، ولي في هذا الشأن مقال آخر مطول، فيمكن أن نصنفها إلى خمسة أنواع رئيسية، هي بحسب الأهمية:
(١) كتب تاريخ القضاة، مثل: كتاب (أخبار القضاة) لوكيع الضبي (ت ٣٠٦هـ / ٩١٨م)، وكتاب (الولاة والقضاة) لأبي عمر الكندي (ت بعد ٣٥٥هـ / ٩٦٦م)، وكتاب (المرقبة العُليا فيمن يستحق القضاء والفُتيا) المعروف بـ (تاريخ قضاة الأندلس) لأبي الحسن النباهي المالقي الأندلسي (ت ٧٩٢هـ / ١٣٩٠م)، ونحوها من المصنفات التي يزيد من أهميتها تضمنها رسائل ومكاتبات مهمة، حول الدعاوى والأقضية التي كانت موضوعًا للقضاء الإسلامي، والتي تعكس طبيعة العلاقة بين القضاة وبعضهم وبين القضاة والخلفاء والولاة، ولذلك يُكثر المؤلفون في مجال تاريخ التشريع الإسلامي من الرجوع لها خاصةً كتاب وكيع.
ويدخل في هذا النوع بعض كتب تاريخ القضاء المعاصرة مما صدر مبكرًا في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، مثل: كتاب (المحاماة) لأحمد فتحي زغلول (١٨٦٣: ١٩١٤م)، وكتاب (تاريخ القضاء في الإسلام) لمحمود عرنوس (- : ١٩٥٥م)، وكتاب (تاريخ التشريع الإسلامي) لمحمد الخضري بك (١٨٧٢: ١٩٢٧م) الذي هو في ذاته أحد أقدم المراجع العربية في تاريخ التشريع الإسلامي إن لم يكن أقدمها، ومقالات عزيز خانكي بك (١٨٧٣: ١٩٥٦م) المنشورة في (الكتاب الذهبي للمحاكم الأهلية) و (عشر رسائل في القضاء والتشريع) وغيرهما.
(٢) كتب التاريخ والطبقات، ومن أبرزها: كتاب (تاريخ الرسل والملوك) لأبي جرير الطبري (ت ٣١٠هـ / ٩٢٣م)، و (وفيات الأعيان) لابن خلكان (ت ٦٨١هـ / ١٢٨٢م) وهو كتاب له أهميته الخاصة في الموارد حيث يكثر من تراجم القضاة وأحوال توليتهم وعزلهم ربما لأن مؤلفه أحد أشهر قضاة الشام في زمانه، و (طبقات الفقهاء) للشيرازي (ت ٤٧٦هـ / ١٠٨٣م) وهو كتاب مهم أيضًا يكاد لا يتخطاه مؤلف من مؤلفات تاريخ الشريعة، و (المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار) لأحمد بن علي المقريزي (ت ٨٤٥هـ / ١٤٤٢م)، ونحوها من الكتب، وهي كثيرة.
(٣) كتب السياسة الشرعية، ومن أهمها: كتاب (الأحكام السلطانية) للماوردي (ت ٤٥٠هـ / ١٠٥٨م).
(٤) كتب أصول الفقه، ومن أبرزها: (الرسالة) للشافعي (ت ٢٠٤هـ / ٨٢٠م) الذي سنجده مصدرًا مشتركًا في كل الكتب التي شملها هذا المقال تقريبًا، و (المُستصفى) للغزالي (ت ٥٠٥هـ / ١١١١م)، و (المحصول) للرازي (ت ٦٠٦هـ / ١٢١٠م)، و (إرشاد الفحول) للشوكاني (ت ١٢٥٠هـ / ١٨٣٤م)، ونحو ذلك.
(٥) كتب الفقه والفتاوى، بالإضافة لقليل من كتب الحديث، وفي مقدمتها: (المغني) لابن قدامة، (الأم) للشافعي، و (حاشية ابن عابدين)، و (الموطأ) لمالك، وغير ذلك.
هذه مجرد إشارة على عجل، تناسب هذا التمهيد للمقال، لأهم الموارد التي اعتمدت عليها مصادر التنظير في تاريخ التشريع الإسلامي، وليس المقصود الاستقصاء والحصر، فربما يكون هذا موضوع مقالًا آخرًا يُضَمَّن فوائد أخرى مرتبطة بتأصيل علم تاريخ التشريع الإسلامي وبالتراث القضائي وموضوعات أخرى.
وفيما يلي نتناول مصادر التنظير موضوع هذا المقال، نبدأها بالمصادر العربية والتي يمكن تقسيمها إلى تاريخية، وتاريخية نظرية (فلسفية)، ثم نتناول المصادر الغربية، وهو تقسيم أعتمد فيه بالأساس على لغة الكتاب الأصلية وجهة نشره، أكثر من اعتبار المؤلف وجنسيته أو أصوله.
- عن المصادر العربية:
اتسمت المراجع العربية في تاريخ التشريع الإسلامي بالتشابه الكبير في المصادر والموضوعات وطريقة المعالجة، وأن الاختلافات بينها تكاد تكون طفيفة للغاية، والحقيقة أن البحث في مجال تاريخ التشريع على غرار تاريخ القانون ظل لفترة طويلة أجنبيًا تمامًا عن البيئة العربية، أو بعبارة ن. ج. كولسون: “مفهوم التطور التاريخي للقانون كان غريبًا وأجنبيًا في الفهم التقليدي للشريعة، فالتاريخ القانوني بمفهومه الغربي لم يكن نوعًا من الدراسة لم ينل حظه من الاهتمام فحسب، بل الحق أنه لم يوجد قط” [٤].
ويُمكن أن نُقَسّم المصادر العربية التي دَرَست تاريخ التشريع الإسلامي إلى قسمين:
الأول: تاريخي:
حيث تلخيص التاريخ الإسلامي واستخراج النتائج العملية الخاصة بالتشريع، فيما يمكن التعبير عنه ببحث الأدوار التي مر بها التشريع الإسلامي، ولذلك عنى هذا النوع من المراجع كثيرًا بتراجم الخلفاء والفقهاء وطبقاتهم زمانيًا، وأطوار المذاهب الفقهية ورجالها، بالإضافة للفرق العَقدية، والمصادر الفقهية وتطور النظر لها، ويرتكز هذا النوع من المراجع على مناقشة جدلية الاجتهاد والتقليد أو الاجتهاد والجمود، إما بعرض واضح ومباشر أو ضمنًا، وبناء عليها يقسم أدوار تاريخ الفقه والتشريع الإسلامي.
ومن أشهر المراجع العربية التي نحت هذا المنحى كتاب (تاريخ التشريع الإسلامي) لـ محمد الخضري بك (١٨٧٢: ١٩٢٧م) [٥]، ويُعد من أقدمها وقد سارت على نهجه مراجع كثيرة، وعوّلت عليه، ويمتاز الكتاب بطابعه الفقهي، حيث استعرض المؤلف فيه مجموعة من الأحكام الفقهية وتطبيقاتها زمانيًا واختلاف النظر لها بحسب أدوار التشريع، غير أنه اتسم بالاختزال في السرد والتكثيف في الفكرة، ربما كان ذلك لطبيعة الكتاب المدرسية حيث وجهه مؤلفه لطلابه في مدرسة القضاء الشرعي في الربع الأول من القرن العشرين.
ومن أقدم الكتب التي اتخذت هذا المنهج أيضًا كتاب (الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي) لـ محمد بن الحسن الحجوي (١٨٧٤: ١٩٥٧م) [٦]، وهو من أوفاها في النهج التاريخي، غير أنه أفرط في إيراد التراجم للفقهاء والعلماء في كل طور من أطوار التشريع، على حساب إشباع كل طور تاريخي بسماته وخصائصه، وامتاز بإشاراته إلى بعض التأثيرات الاجتماعية والعلمية والسياسية في تاريخ التشريع وتطوره، مثل كلامه على تأثير ظهور ورق “الكاغد” منذ زمن الفضل بن يحيى البرمكي على تطور الفقه وتعاظم تآليفه وانتشارها [٧].
ومن أشهرها المراجع كذلك (تاريخ التشريع الإسلامي) لـ مناع القطان (١٩٢٥: ١٩٩٩م)، وامتاز الكتاب بعرض أهم القضايا محل النقاش والخلاف في كل دور من أدوار التشريع، والكتاب يسير بسيط لا يتعمق في الأفكار والمعلومات التي يعرضها، ومنها أيضًا كتاب (تاريخ الفقه الإسلامي) لـ عمر سليمان الأشقر (١٩٤٠: ٢٠١٢م)، واتسم بالاختصار، والتركيز أكثر على المدونات التراثية وتطورها، مسلطًا الضوء أكثر من سابقيه على موضوع الاجتهاد والتقليد والجمود، وحاول أن يعقد بعض المقارنات بين الفقه والقانون وأقسامهما لكنه جاء مخلًا جدًا في هذا الجانب.
ومن المراجع التي صدرت في العقد الأخير من القرن العشرين وحاولت التجديد في التناول والطرح كتاب (الفقه الإسلامي بين النظرية والتطبيق) لـ محمد أحمد سراج، الذي حاول الربط بين النظريات القانونية المتعلقة بتحديد مفهوم القانون وبين مفهوم الفقه الإسلامي، فيما عبر عنه بالمقارنة بين القانون وبين الصيغ التشريعية التي انتُزعت من الفقه الإسلامي، وهي محاولة جيدة وجديدة، بيد أنها جاءت حداثية إلى حد كبير وفيها قدر كبير من المجازفة وتحميل التفكير الفقهي الإسلامي ما لا يتحمله، ونحو ذلك ما يخص كلامه عن المناهج المتبعة في الدراسة الفقهية مستخدمًا التقسيمات الغربية المعروفة، ومن المباحث التي تتسم بالجدة كذلك في الكتاب ما يتعلق بالكلام عن دور القضاة في نشأة التفكير الفقهي، وما يتعلق بالكلام عن تأثر القوانين الأوربية بالفقه الإسلامي، وجذوره الموجودة في التفكير القانوني الأوروبي، وهي مباحث موجزة لو استفاض فيها المؤلف أكثر وأشبعها أكثر لكانت فريدة لم يسبقه إليها أحد، والحقيقة أن القارئ لسراج لا يستطيع أن يمنع نفسه من خاطر تأثر سراج في التناول ببعض الترجمات التي قام بها في مجال الشريعة وتاريخ التشريع مثل كتاب كولسون (في تاريخ التشريع الإسلامي)، ومما يُؤخذ على الكتاب أن المؤلف لم يُبين موارده، فالكتاب يخلو من المصادر تقريبًا سواء العربية أو الإنجليزية!
ويوجد مرجع آخر مهم على مستوى المؤلفات العربية، ولا يكاد يُعرف في أوساط الباحثين، وهو(التطور الإندماجي للنظم القانونية في البلاد العربية: الأصول التاريخية) لـ مصطفى هاشم زيني، وهو عبارة عن رسالة ماجستير نوقشت في ثمانينات القرن العشرين في معهد البحوث والدراسات العربية تحت إشراف حامد ربيع أستاذ العلوم السياسية المعروف، وهي دراسة تاريخية تبحث في العلاقة بين الوحدة النظامية ووحدة النظم القانونية، وموضع ذلك في التقاليد الإسلامية وفي التراث العربي، ومدى وما وصلت إليه التجربة التاريخية الإسلامية في تطورها لمفهوم الوحدة والتعدد في النظم القانونية، وهذه الدراسة على جودتها إلا أن الباحث اقتصر فيها على دراسة الأصول التاريخية إلى نهاية العصر الأموي حيث اعتبره عصر “تكوين الشريعة”، ولعل من نتيجة ذلك أن الباحث أشبع مباحث العصور الجاهلي والخلافة الراشدة والأموي بالدراسة والتحليل مقارنةً بأي مرجع آخر من المراجع السابقة، كما أن النَّفَس السياسي في التناول القانوني والسرد التاريخي يبدو واضحًا في الدراسة.
وثمة العديد من المؤلفات التي صدرت منذ العقد الأخير من القرن العشرين، ولم تخرج عن الطريقة السابقة، مع مزيد من التكرار والنمطية، واعتمدت في الغالب على النقل من المصادر السابقة.
الثاني: تاريخي فلسفي:
حيث يركز على محاسن التشريع الإسلامي وجمالاته، وعنى هذا النوع من المراجع بعرض أصول التشريع، فالطابع العام لهذه المراجع هو التاريخي الفلسفي، وهو ما أصاب أغلبها بنوع من الإجمال في الطرح والمعالجة.
ومن أهم هذه المراجع، مما صدر في منتصف القرن العشرين كتاب (المدخل لدراسة الفقه الإسلامي) لـ محمد يوسف موسى (١٨٩٩: ١٩٦٣م) [٨]، وهو كتاب على إيجازه لكنه في اعتقادي أهم كتب تاريخ التشريع الإسلامي، ذلك أن مؤلفه اختصر الكلام عن نشأة الفقه وتطوره وأدواره والاسترسال في تراجم فقهاء المذاهب لحساب التعمق في بعض الأفكار المهمة خاصة في النصف الأول منه الذي امتاز بالتكثيف والتركيز، من ذلك: تفرقته بين الفقه والشريعة، والبحث في جذور لفظتي “الرأي” و “فقه”، والقراءة القانونية لعلاقة النص بالقياس في الفقه الإسلامي، والاستفاضة في قطع العلاقة بين الفقه الإسلامي والقانون الروماني ونقد المذاهب الغربية التي زعمت التأثر والاستعارة بينهما، ونقد أقوال الفلاسفة الغربيين في العديد من المباحث لمناسبة المقارنة بين الفقه والقانون من حيث النشأة والخصائص، غير أن مما قد يُؤخذ عليه أنه ينقل هذه الأقوال ليست عن مصادرها الأصلية، بل عن السنهوري وحشمت أبو ستيت وغيرهما، ربما لعدم وفرة المصادر في هذا الزمن كما توافرها في الوقت الحاضر.
ومن أشهر المراجع العربية التي اتخذت هذا النهج كتاب (المدخل الفقهي العام) لـ مصطفى أحمد الزرقا (١٩٠٤: ١٩٩٩م)، ونال الكثير من القبول والإشادة في الأوساط العلمية والشرعية، ويكاد لا يوجد مصدر غربي في تاريخ التشريع الإسلامي إلا وقد عزا له واعتمد عليه في بعض الأفكار والمعلومات، ذلك أن مؤلفه جمع فيه بين الكلام عن ماهية الفقه ومصادره وترتيبها التاريخي وتطوره وأطواره التي مرَّ بها ومميزاته في كل طور، وبين الكلام عن النظريات الفقهية الأساسية في مباني الأحكام مثل: الأهلية والملكية والعقود، مع شرح موجز للقواعد الكلية في الفقه، وقد بيَّن المؤلف في مقدمة الكتاب أن “مجلة الأحكام العدلية” هي التي حَفزته على تأليف هذا الكتاب، لذلك نجده ييُدي بها اهتمامًا كبيرًا في مواضع كثيرة منه.
ومن سمات كتاب (المدخل) للزرقا أنه يهتم بإيضاح المصطلحات القانونية الموازية للفقهية، ويحاول ربط الأفكار الفقهية باللغة القانونية المعتبرة عند القانونيين، كما أنه كثيرًا ما يذكر تمثيلات وتطبيقات فقهية، ويتعمق في بعض القضايا والمسائل خاصةً في الجانب الفقهي النظري، حيث غلب على الجانب التاريخي الذي يخص علم تاريخ التشريع بالأساس، ومن المسائل القليلة التي تعمق المؤلف في فكرتها فيما يخص تاريخ التشريع الإسلامي؛ نقده الموجز للتفسير التاريخي لنشوء مدرستي الرأي في العرق والحديث في الحجاز، وهو التفسير الذي يُعد شائعًا في كتب تاريخ التشريع الإسلامي، والزرقا وإن كان مصيبًا في نقده إلا أنه لم يُقدم تفسيرًا بديلًا مقنعًا.
وخلال العقدين الأخيرين أو أكثر قليلًا ظهرت مؤلفات أخرى تحاول الدمج بين تاريخ التشريع الإسلامي وتاريخ القانون التخصص المعروف عند القانونيين، على نحو كتاب (تاريخ التشريع والقواعد القانونية والشرعية) لـ مصطفي الرافعي، وتجاوز فيه كثير من المباحث التي كان يتم دراستها في كتب تاريخ التشريع، اكتفاءً ببعض المباحث الرئيسية في مصادر التشريع والمذاهب الفقهية واختلافاتها، مع الاهتمام أكثر بتطور حركة التشريع والقضاء في لبنان [٩]، وعقد بعض المقارنات بين الفقه الإسلامي والقانون، فالكتاب يرتكز على فكرة أساسية هي بيان مقدار الأثر الذي أحدثته الشريعة والفقه في تكوين القوانين الحديثة، وقيمة الميراث الشرعي في تشكيل الوعي الحاضر بالقانون، لذلك عرض الكتاب في آخره العديد من القواعد والأحكام ذات الصلة بالشريعة والقانون، والحقيقة أن الكتاب رغم اختلاف مباحثه عن مباحث الكتب السابقة إلا أنه لم يخرج في روحه العامة في المعالجة عن سائر المراجع العربية في تاريخ التشريع الإسلامي.
في المجمل، فإن أكثر المراجع العربية للأسف الشديد لم تعتن بأحوال التشريع الإسلامي وتحولاته الحقيقية واتجاهاته، ذلك أن التشريع الإسلامي ارتبط بأحوال الدولة وتأثر بها، فكان تقدمه وتأخره ونشاطه وسكونه وتساهله وشدته واتزانه واختلاله تبعًا لنشاط الدولة وضعفها وسائر أحوالها، وهو في اعتقادي مرتكز عمل علم تاريخ التشريع خاصةً، والقانون عامةً.
- عن المصادر الغربية:
تأثرت بعض المصادر الغربية بالطريقة العربية في التناول والبحث، لاسيما التاريخية، مثل بوجينا جيانا ستشيجفسكا Bozena Gajane Stryzewska [١٠] في كتابها (تاريخ التشريع الإسلامي: تاريخ الدولة الإسلامية وتشريعها) الذي كان تاريخيًا محضًا واتخذ طابعًا روائيًا أكثر منه فكريًا.
وإذا ما جئنا لمصادر التنظير الغربية الأخرى فسنجدها تتخذ المنهج القانوني، الذي ربما لا تلتزم فيه بالسرد والترتيب التاريخي، ورغم جودتها في التقصي عن المصادر العربية، وتعمقها في الأفكار، وعنايتها بتطور أحوال التشريع واتجاهاته، والدأب في تتبع التفصيلات وتحليلها، إلا أنها كثيرًا ما تعتمد على فرضية أساسية متوهمة أو ضعيفة؛ بَنَت عليها نتائجها، يمكن أن نبدأ التمثيل هنا بكتاب يُعد من أهم الكتب التي أرخت للتشريع الإسلامي والتي صدرت في منتصف القرن العشرين وهو كتاب (في تاريخ التشريع الإسلامي) لـ ن. ج. كولسون Noel J. Coulson (١٩٢٨: ١٩٨٦م)، وهو أول مستشرق يتتبع تاريخ التشريع الإسلامي من منظور قانوني وبمنهج قانوني وأدوات قانونية فيما أعلم، وقد اعتمد على نقد السُّنة إذا خالفت الأفكار المعقولة في زمانها، وشن هجومًا شديدًا على المُحدِّثين، زاعمًا بأنهم اختلقوا أسانيد الأحاديث، ولا عجب فكولسون تلميذ جوزيف شاخت Joseph Schacht (١٩٠٢: ١٩٦٩م) الذي سنجد اسمه يتردد كثيرًا في المصادر الغربية المعنية بتاريخ التشريع الإسلامي، والذي كان أشد نقدًا للسُّنة وردها جميعًا من حيث المبدأ! لكن للعلم، فإن هذا لا يعني اتفاق كولسون وشاخت دومًا في الأفكار، فبينهما العديد من الاختلافات.
بل يذهب كولسون أبعد من ذلك، حين يقرر أن الفقه اتسم بالمثالية التي لا تناسب الواقع ولا تنسجم معه في كثير من الأحيان، هذه الفرضية التي أفرزها تأثر كولسون بالواقع الأوروبي الذي عاشه، أدت إلى العديد من النتائج الخاطئة التي استخلصها نحو: انحصار تأثير الفقه على ضمير الأفراد ومحاسبتهم أخرويًا، وإهمال الفقهاء لمباحث نظام الدولة والحكومة ومؤسساتها الإدارية التي عبر عنها بالقانون العام Public Law، وتجاوز المجتمعات الإسلامية للفقه لحساب أعرافها الخاصة في كثير من الأحيان، وغير ذلك من نتائج كلها يعتريها الكثير من عدم الدقة والخطأ، وعدم إدراك جمع الشريعة بين الجزائين الأخروي والدنيوي ما يحقق أكبر قدر ممكن من الالتزام الأخلاقي والمدني، وعدم الإلمام الكافي باعتبار الشريعة للعرف كمصدر من مصادر الفقه إذا ما انسجم مع المصادر الأولى (القرآن والسُّنة) ولم يصادمهما، وإلا فكثير من الأعراف تم إهدارها فيما عبر عنه الفقهاء بـ “العرف الفاسد”، خلافًا مثلًا للمدرسة القانونية التاريخية الألمانية التي سوت بين ما يُعرف بالقانون العرفي وبين القانون المكتوب، واتجهت إلى أن العرف يُمكن أن يكمل أو يعدل أو يلغي قانونًا مكتوبًا.
والحقيقة أن مسألة العرف هذه كانت من المسائل الشائكة دائمًا عند المنظرين الغربيين، فلم ينج منها حتى أكثر هؤلاء المنظرين اعتدالًا مثل وائل حلاق في كتابه (نشأة الفقه الإسلامي وتطوره The Origins and Evolution of Islamic Law) حين اعتبر العادات الاجتماعية التي كانت سائدة عند العرب العامل الأساسي في صياغة التشريع، ومن ثمَّ تفسير الدوافع التي وقفت وراء التحول الديني الفقهي من سلطة الصحابة إلى سلطة الرسول صلى الله عليه وسلم (الحديث) [١١]! فكانت هذه بواكير صراع متوهم بين الفقهاء والمحدِّثين!
وقبلهما شاخت الذي خلُص في كتابه (أصول الفقه المحمدي The Origins of Muhammadan Jurisprudence) إلى أن التشريع الإسلامي وإن استمد روحه من القرآن والسُّنة، إلا أن مادته بالكامل ترجع إلى أعراف العرب وعاداتهم قبل الإسلام التي يُطلق عليها “سُنة الناس”، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأت بنظام قانوني جديد إنما أخذ أعراف العرب وعاداتهم وعدَّل فيها بما يُلائم العقيدة الجديدة؛ عقيدة الإسلام!
وهي ليست المشكلة الوحيدة لدى شاخت بالطبع، فكتابه مليء بالمشكلات والمغالطات الفجة، ابتداءً بكلامه حول السُّنة ودعوى تزييفها وتهافت حُجيتها، ومرورًا بتحامله على الشافعي والانتقاص منه ووصف منهجه بالوعظي، ثم اضطرابه في مفهوم الإجماع ووظيفته والادعاء بأن حُجيته تفتقر إلى الدليل، وزعمه أن الفقهاء فضلوا القياس عن الحديث وقدموه عليه، وتأثر الشريعة والفقه بالقانون الروماني، والعديد من القضايا الفرعية التي أخطأ فيها أو اضطرب، حتى يمكن وصفه بالمرجع الأسوء في مؤلفات تاريخ التشريع الإسلامي، فلا غرابة أن يكون المصدر الأساسي لدى العلمانيين والحداثيين ممن كتبوا في تاريخ الشريعة، والذين تتصل أفكارهم كلها في النهاية بأفكار شاخت التي تجد جذورها بدورها في كتب إجناس جولدتسيهر Ignác Goldziher (١٨٥٠: ١٩٢١م).
وإذا ما عُدنا لكولسون الذي اعتمد في تحليلاته على أساس أن الشرع يغلب عليه التناول الخُلقي لا القانوني، حيث المشكلة الأساسية التي تواجه أغلب مؤرخي التشريع في العالم الإسلامي وهو الانطلاق من التصورات الغربية حول القانون، دون افتراض وجود تصورات أخرى لا صلة لها بالتصورات الغربية، تصورات أخرى تجمع بين المذهبين الشخصي والموضوعي، وتُضيف لهما بُعدًا ثالثًا – لا تعرفه النظم الوضعية بطبيعة الحال – هو التعبدي، وما فكرة “حقوق الله” التي أفاض الفقهاء في الكلام عنها في الجنايات والحقوق إلا انعكاسًا من انعكاسات هذا البُعد، وهو – أي هذا الجمع – ما يُشكل في ذاته مذهبًا آخرًا مختلفًا عن أي المذاهب التي عرفها القانون [١٢].
ومن المُلفت للانتباه أن كولسون كثيرًا ما يُبدى إعجابه بالشريعة وبنطامها القانوني، وله كلام في غاية الأهمية في هذا الشأن، حتى أن القارئ ليشعر فيه بالتناقض في بعض الأحيان، وسنجد أن وائل حلاق يعتمد كثيرًا على أفكار كولسون، ويستمد روح كتاباته منها ولذلك ثمة تقاطعات كثيرة بينهما في الأفكار والموضوعات والرؤى، وإن كان قد تجاوزها إلى ما هو أبعد بالطبع نتيجة غزارة الإنتاج والتعمق أكثر في الأفكار، يمكن أن نلمس هذا التقاطع والتشابه مثلًا في موضوع عدم ملائمة الشريعة وصلاحية التراث الفقهي كبناء قانوني، مع بقاء إمكانية الاستفادة المعاصرة من البنية الأخلاقية العامة الموجودة في الشريعة.
وفي نفس سياق الفرضيات المتوهمة يمكن أن نذكر مثالًا آخر أحدث وأقل شهرة وأكثر فجاجة هو كتاب (الشريعة والسلطة في العالم الإسلامي Law and Power in the Islamic world) لـ سامي زبيدة الذي يحاول بشتى الطرق إثبات أن الدواوين في التاريخ الإسلامي كانت متخلفة وعشوائية، وأن الفساد كان منهجيًا مستشريًا في المؤسسات الدينية في التاريخ الإسلامي، ليس عرضيًا أو استثناءً، ولا في العهود المتأخرة فقط، بل حتى في القرون الأولى للإسلام، حتى أنه ليقول بالحرف الواحد أن: “الفساد، بالطبع، داءٌ مستوطن في المؤسسات والممارسات الشرعية في الكثير من المجتمعات والمراحل التاريخية، وغالبًا ما يكون القاعدة وليس الاستثناء” [١٣]!
والكاتب يقفز قفزات مهولة زمانًا ومكانًا أثناء هذا الاستدلال في سبيل إثباته، فربما ساق شاهدًا من زمن أبي يوسف القاضي ثم أيده بآخر بعد أكثر من مائة عام في زمن التنوخي، لينتهي إلى نتيجة محددة هي فساد المؤسسات القضائية ويُقرر أن أسلمة القضاء أو الحاكمية كما أسماه لم تقتلع الجذور البيزنطية للأخلاق القضائية سيئة الصيت بسبب فسادها! وهو يحكم في كثير من المواضع بأحكام مرسلة، تبدو فيها بوضوح الجزافية الشديدة، فيقول مثلًا في سياق الكلام عن قاعدة الشهود العدول التي تم تكوينها في بعض الحواضر الإسلامية عن طريق سجلات مخصوصة عند القضاة: “وقد أدت هذه الإجراءات إلى استياء ملحوظ عند المتقاضين، كما أدت إلى زيادة طرق الفساد ووسائله” [١٤]! وهي قضية من أدق ما يكون تاريخيًا، واختلفت في صورتها في كل بلد، فلا أعلم كيف توصل زبيدة لهذا الاستنتاج الخطير، ومن أين استقى معلوماته حولها؟!
والحقيقة أن أكثر الشواهد والأدلة التي يسوقها زبيدة – وينتقيها بعناية لتأكيد الفساد – يعتمد فيها على النقل من إميل تيان وجوزيف شاخت اللذين كانا أشد جزافية من زبيدة، وعداءً للفكرة الإسلامية وتحفزًا للتاريخ الإسلامي، حتى أن فرضية الفساد الممنهج في المؤسسات الإسلامية نقلها زبيدة عن القانوني اللبناني إميل تيان Émile Tyan (١٩٠١: ١٩٧٧م) الذي وبالمناسبة هو من صاغ مشروع قانون المساواة في الميراث لغير المسلمين عام ١٩٥٩م الذي حل محل التشريع العثماني المعمول به في ذلك الوقت في لبنان [١٥].
كما استخدم زبيدة تعبيرات خاطئة وغريبة غير مفهومة ولا منطقية في كثير من الأحيان، مثل: أسلمة الحاكمية وأسلمة الشريعة في سياق الكلام عن العهود الإسلامية المبكرة (القرون الأربعة الأولى)! سنة الأنبياء ليس بمعنى القوانين لكن على غرار سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وغير ذلك.
وفي الجملة، سنجد أن أغلب المراجع الغربية، فضلًا عن العربية، لم تنتبه إلى العديد من المظاهر المهمة ولم تهتم بدراستها دراسة متأنية مثل نشأة التحول من التشريع الإسلامي إلى الوضعي في البلاد الإسلامي الذي أصاب أولًا قوانين التجارة، سواء في السلطنة العثمانية عام ١٨٥٠م أو في ولاياتها المركزية كمصر عام ١٨٧٥م وغيرها لاحقًا، ما يُهمل مغزى أن تقويض البني الشرعية لنظام الدولة الإسلامية بدأ من هذه المساحة (الاقتصادية) قبل أن ينتقل إلى المواد الجزائية (الجنائية)، وهو ما استلزمه الطمع الأوروبي في خيرات العالم الإسلامي، فقليل من المنظرين الغربيين أنتبه لهذه الحقيقة التاريخية، وأبرزهم وائل حلاق في كتابه (الشريعة: النظرية والممارسة والتحولات).
والحقيقة أن وائل حلاق كان لديه في كتاب (الشريعة: النظرية والممارسة والتحولات Shari’a; Theory, Practice, Transformations) شيئًا كثيرًا من الجلد على التنقيب في المراجع والبحث في الأصول واستخلاص النتائج، وربما كان كتابه هذا من أفضل ما كُتب في هذا المجال، وهو يُمثل ذروة فكر حلاق، حيث نلمس فيه تطورًا كبيرًا في أفكاره هو نفسه إذا ما قارناه بكتاب آخر له – أقدم نسبيًا – مثل كتاب (تاريخ النظريات الفقهية في الإسلام: مقدمة في أصول الفقه السُّني A History of Islamic Legal Theories; An Introduction to Sunni Usul Alfiqh) الذي نجد فيه مغالطات ساذجة مثل التعبير عن الشريعة دائمًا بالقانون Law – وهو خطأ شائع بين المنظرين الغربيين – وسنرى أن حلاق سيذهب بعد سنوات قليلة في كتاب (الشريعة) إلى انتقاد مصطلح Islamic Law للتعبير عن الشريعة الإسلامية ويتهمه بالقصور حيث يخلع مفاهيم الحداثة على تصوراتنا عن الماضي ما يؤدي إلى الخلل في فهم الماضي!
ومن أهم المشكلات أيضًا في كتاب (تاريخ النظريات الفقيهة) كلامه عمن سماهم “المتحررون” الذين اعتمدوا المنهج التحرري في إعادة كتابة التشريع الإسلامي، مثل محمد سعيد عشماوي وفضل الرحمن الباكستاني ومحمد شحرور، واعتبار أن من “الغريب والمضحك” أن يتم رفض أطروحاتهم من قِبل تيارات إسلامية كبيرة، وهم الذين قدموا – على حد تعبير حلاق – قدموا منهجيات متماسكة ومحترمة وتفكير ملتزم أكثر بالإسلام [١٦]!
لكن يظل كتاب (تاريخ النظريات الفقيهة) من المراجع التي تعمقت في مسائل ربما لم يُسبق إليها في المكتبتين العربية والغربية، نحو قضية تأثير “الشروح” و “المختصرات” في تطور النظرية الفقهية، وهي المصنفات التي كانت تؤخذ أحيانًا كمظهر من مظاهر الجمود، وقد أولاها حلاق بالعناية وقَسمها إلى خمسة أنواع كل منها يعكس درجة معينة من الإبداع والتجديد حتى اعتبر أنها “تشكل وسيطًا لنمو الآراء والتغيير في أصول الفقه” [١٧]، وهو ما يتسق مع رؤية حلاق العامة السابقة التي يرفض من خلالها دعاوى أن باب الاجتهاد انسد، والتي كانت موضوعًا لمقالته (هل أنسد باب باب الاجتهاد؟ Was the Gate of Ijtihad Closed?) التي تمثل مختصرًا لأطروحته في الدكتوراه وتُرجمت لعدة لغات، ودافع فيها عن فرضيته بأن الاجتهاد ظل مفتوحًا بطريقة هي أكثر الطرائق فاعلية، حتى أنه احتمل أن تكون هذه القصة، قصة انسداد باب الاجتهاد؛ من اختلاق المستشرقين وليست رواية إسلامية الأصل والمصدر.
وإذا ما رجعنا إلى كتاب (الشريعة) فسنجده أيضًا لا يخلو من الإشكاليات، التي ترتبط بالجانبين التاريخي والنظري، من أبرزها كلامه عن دور العقوبات في الشريعة وهي في نظره؛ استعادة الخسارة من خلال تعويض مالي، أو قصاص من أجل استعادة التوازن الاجتماعي، والأمر ليس كذلك بالطبع وإلا فكيف يُفسر الأثر القانوني للتوبة والأمر بالستر والدرء بالشبهة وغيرها من النظم التي تنقض هذا التصور، فدور العقوبة في الشريعة هو الإصلاح والتزكية، فهي جزء من بنية الدين الإيمانية، لذلك كانت العقوبة عارض وليست أصل، فحلاق رغم أي اختلاف بينه وبين غيره من المنظرين الغربيين؛ إلا أنه لم يتخلص من الطابع الحداثي الذي تتسم به الكتابات الغربية بوجه عام، ورغم أن حلاق انتقد في التعبير عن الشريعة بـ “القانون” إلا أنه في الحقيقة لم يتجاوز هذا الأمر أثناء النظر لها في بعض القضايا مثل قضية العقوبات.
وفي نفس السياق سنجد بعض المراجع الغربية التي عَنَت بتاريخ التشريع الإسلامي في تحولاته الأخيرة إبان تمكن القوانين الوضعية، مثل كتاب (إحياء التشريع الإسلامي Islamic Legal Revival) لـ ليونارد وود Leonard Wood، و (سياسات تقنين الشريعة The Politics of Islamic Law) لـ عِزة حسين Iza R. Hussin؛ تُغفل تحولات فترة محمد علي وما بعدها من امتدادات حتى الاستعمار الإنجليزي تقريبًا، وفي أحسن الأحوال فترة الخديوي إسماعيل حيث إنشاء المحاكم المختلطة، وتأثيرات هذه الفترة على تاريخ القانون المعاصر، فاعتبروا وهمًا أن “الإصلاحات” القانونية الأوروبية في مصر، والبلاد العربية لاحقًا؛ لم تأت إلا مع مجيء المحاكم المختلطة والاستعمار الأوربي وهذا خطأ، لأن المحاكم المختلطة إنما كانت محصلة للتأثيرات السابقة عليها بأكثر من نصف قرن، وقد انتبه لهذا الأمر قلة من المؤرخين الغربيين مثل ناثان براون في كتابه (The Rule of Law in the Arab World: Courts in Egypt and the Arab States of the Gulf الذي تُرجم بعنوان القانون في خدمة من؟)، رغم أن كتاب ليونارد وورد مثلًا معني أساسًا باستقبال القانون الأوروبي والتحول في الفكر التشريعي الإسلامي في مصر، فهي مسألة كان جديرًا بالكتاب التعرض لها والتعمق فيها، وهو ما أثر في تحليله للأحداث وعواملها.
ومن ذلك أيضًا اعتبار ناثان براون وعنه نقلت عِزة حسين في كتابها سالف الذكر أن المحاكم المختلطة التي أُنشئت في أواخر الدولة العثمانية كانت وسيلة لتقييد الامتيازات الأجنبية، دون النظر لحقيقة كونها لازم من لوازم الامتيازات وأثر من آثاره حيث ورثت نظام المجالس والقنصليات القضائية اللذين كانا قائمين بفعل الامتيازات فيما يُمكن اعتباره شكل من أشكال تقنينها لضمان ديمومتها وتوسيع فاعليتها في الدولة والمجتمع.
ومنه أيضًا تصوير عِزة حسين أن قوانين الأسرة – التي اعتبرتها الميدان الأخير للشريعة – كانت محابية للرجل، حيث تم انتقاء تعاليم وآراء محددة في المذهب الحنفي كانت تمثل في معظم الأحيان النقيض من مصالح المتقاضيات، وضربت مثالًا لذلك بحق المرأة في عقد قرانها بنفسها! [١٨] غير أن مما يُحمد لِعزة في كتابها (سياسات تقنين الشريعة) أنها تعمقت في بعض الأفكار الخاصة بعلاقة الاستعمار بالتشريع الإسلامي في بلدان من النادر أن التوسع في خصوصها في هذا الشأن في المكتبة العربية، مثل ماليزيا والهند، وهي تتتقل في تناولها بين الهند وماليزيا ومصر في تناول موضوعات الكتب بشكل يُثري الفكرة التي يتم طرحها ويعمق النظر فيها من زاويا مختلفة، فيما يُشبه الدراسة المقارنة، وبما يكشف عن الأثر الخطير بالغ السوء للسياسات الاستعمارية البريطانية وسياقاتها المكانية المختلفة، وإن كانت قد ركزت على الحالة الماليزية والهندية وتعمقت فيها أكثر من نظيرتها المصرية، وهو ما يُبرر القصور الذي أشرت إليه سابقًا، وربما يُبرر اعتمادها على مصادر معاصرة (ثانوية) فيما يخص حالة مصر والهند خاصةً كتابات وائل حلاق.
وفي مثال آخر نجد تيموثي دانيالز Timothy P. Daniels في كتابه (ديناميات الشريعة: الشريعة الإسلامية والتحولات الاجتماعية السياسية Sharia Dynamics Islamic Law and Sociopolitical Processes) يعتبر مجلة الأحكام العدلية كالقوانين الأوروبية في جمودها [١٩]، اعتمادًا على فكرة التقنين التي قامت عليها المجلة، وغافلًا عما أوردته المجلة في الجزء الأول منها من قواعد فقهية عديدة سمحت بمجال واسع من الاجتهاد وقدر كبير من المرونة التي لم تسمح بها القوانين، لكن كتاب دانيالز في الحقيقة هو عمل مجموعة من المؤلفين في موضوع أوسع من قضية تاريخ التشريع الإسلامي، حيث يبحث تفاعلات الشريعة والمجتمع في أقطار متباينة مثل الصين وماليزيا وباكتسان وإندونيسيا وتونس، فلا نستطيع أن نعده كتابًا خالصًا في تاريخ التشريع أو رئيسيًا فيه.
وكثير من المصادر الغربية يغلب عليها الطابع الحداثي في قراءة الأحداث التاريخية أو تحليلها، ذلك أنها اعتبرت الشريعة مثل القانون – والأمر ليس كذلك – نشأت وتطورت تبعًا لنمو المجتمع وتطوره، فأخضعت كل مجريات تاريخ التشريع الإسلامي لهذا المبدأ! في حين أن الشريعة سابقة على وجود الدولة لا مسبوقة بها، حاكمة للمجتمع لا محكومة به، والذي يتطور إنما هو وعي الناس بها.
وعلى خلاف المراجع العربية، فسنجد أن المراجع الغربية كثيرًا ما تخلط بين مصطلحي “الفقه” و “الشريعة”، وهو ما يتسبب في كثير من الأخطاء في فهم تأثيرات الشريعة.
وفيما يخص ترجمة المراجع الغربية، فجدير بالذكر أن أغلب كتب تاريخ التشريع الإسلامي لم يهتم مترجموها بتقديمها بشكل لائق، فما بين أن يُغفل التقديم تمامًا، أو أن يكون ضعيفًا للغاية، رغم أهمية تقديم المترجم في هذه النوعية من الكتب، لأنها بمثابة مفتاح لفهم الكتاب ولغة المؤلف – من جهة المفاهيم والاصطلاحات – وطبيعة الترجمة، فضلًا عن سياقات تأليف الكتاب والتأثيرات التي عرضت للمؤلف، لكننا سنجد كيان أحمد حازم يحيى مترجم كتاب (الشريعة: النظرية والممارسة والتحولات) لوائل حلاق؛ يخالف هذا النهج تمامًا، حيث بدأ ترجمة الكتاب بمقدمة رائقة في نحو أربعين صفحة، لخص فيها الكتاب تلخيصًا غير مخل، وتكلم فيها عن أهميته، وعن أهم الناقدين له وأوجه نقدهم، ولم يكتف بذلك، بل حرص على الرجوع للمؤلف لإيراد رده على بعض هذا النقد وذكره عنه، وعقد بعض المناسبات بين كتب المؤلف المختلفة مثل كتاب (الدولة المستحيلة)، ثم تكلم عن ترجمة الكتاب والصعوبات التي واجهها بشكل مفصل، لاسيما اللغوية والمفاهيمية، وكيف تصرف فيها، مما أزاح عني كثيرًا من الإشكاليات في فهم مقصود المؤلف – بما يُغني عن الرجوع للأصل الإنجليزي – ثم ذكر منهجه في الترجمة وعمله فيها، ولم يفته في نهاية المطاف أن يورد قائمة بمصادره مستقلة عن مصادر الكتاب الأصلي، عمل ينم فعلًا عن جدية واجتهاد ورغبة في تحري الحقيقة وعرضها.
والحقيقة أن الترجمة العربية لكتاب (الشريعة) حظي أيضًا بمقدمة مميزة لمؤلفه، فقد أجاب حلاق فيها عن العديد من التساؤلات حول حلاق نفسه، وحول تفاعله مع أفكاره؛ كيف بدأها؟ ومن أين؟ ما الذي حفزه؟ وما الذي كان يُحركه؟ كيف كَوّن حصيلته المعرفية؟ وكيف شَكّل تخصصه؟، فقد كانت أشبه ما يكون بسيرة كاتب في سيرة كتاب، تدفع القارئ دفعًا لمتابعة قراءة الكتاب ودراسته.
وأخيرًا، فقد اخترت تأجيل وضع خاتمة لهذا المقال، عازمًا على أن يكون محل تحديث، فإن البحث في مصادر التنظير في تاريخ التشريع الإسلامي يحتاج إلى كثيرٍ من المراجعة والتعمق، خاصةً إذا كان في مجال نقدها لوقوف على أهم الإشكاليات التي تعترض الباحثين في هذا التخصص، ولا أدعى أن كل ما كتبته أو سأكتبه في هذا المقال يلزم أن يكون صائبًا، بل ربما جانبني فيه الصواب لتقصير في الفهم والاستيعاب أوخطأ في التصور والفكرة أو عدم إلمام بالمعلومة، لكن هذا ما بدا لي حتى الآن، ويمكن البناء عليه وتجاوزه إلى ما هو أفضل من قِبل غيري من الباحثين والدارسين لتاريخ التشريع، والله الموفق.
———-
[١] شفيق شحاتة: التاريخ العام للقانون في مصر القديمة والحديثة، المطبعة العالمية (القاهرة)، ١٩٦٢م، ص ٤، ٥.
[٢] من المهم الإشارة هنا إلى أنني لا أقصد بكلمتي”مصادر” و “مراجع” التي سأرددها كثيرًا في هذا المقال، ما تعنيه هاتان الكلمتان؛ اصطلاحًا تمامًا، حيث يفرق أهل الاصطلاح بينهما من جهة أصالة المعلومة في الأولى عن الثانية، والسبق إليها، ولهم في هذا الشأن استفاضة وبحث، إنما قصدت بهما هنا معنىً واحدًا أبسط هو التدوين والبحث، والنظر إليها كمصدر للمعلومات والأفكار يمكن الاعتماد عليه والوثوق فيه.
[٣] وائل حلاق: الشريعة: النظرية والممارسة والتحولات، ترجمة: كيان أحمد حازم يحيى، المدار الإسلامي، الطبعة الأولى ٢٠٠٧م، ص ١٤.
[٤] ن. ج. كولسون: في تاريخ التشريع الإسلامي، ترجمة: محمد أحمد سراج، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر (بيروت)، الطبعة الأولى ٢٠١٨م، ص ٢٠.
[٥] فقيه مصري، تخرج من مدرسة دار العلوم، وعُين قاضيًا شرعيًا في الخرطوم، ثم مدرسًا في مدرسة القضاء الشرعي بالقاهرة، فوكيلًا للمدرسة وأستاذًا للشريعة الإسلامية، قبل أن يختم حياته كمفتش للغة العربية في وزارة المعارف العمومية بمصر، من أهم كتبه: (تاريخ التشريع الإسلامي)، (أصول الفقه)، (الغرالي وتعاليمه وأراؤه)، (مهذب الأغاني).
[٦] فقيه مغربي، تخرج من جامع القرويين، كان سفيرًا للمغرب في الجزائر، وعُين رئيسًا لمجلس الشريعة الأعلى، ثم وزيرًا للعدل، من أهم كتبه: (الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي)، (التعاضد المتين بين العقل والعلم والدين)، (النظام في الإسلام)، (مختصر العروة الوثقى)، (الرحلة الأوروبية عام ١٩١٩م).
[٧] محمد بن الحسن الحجوي: الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي، تحقيق: هيثم خليفة طعيمي، المكتبة العصرية (بيروت)، طبعة ١٤٣٠هـ / ٢٠٠٩م، ص ٣٧٥: ٣٧٦.
[٨] فيلسوف مصري من أذكياء عصره، أتم حفظ القرآن وهو صغير، نال العالمية وعُين مدرسًا بمعهد الزقازيق، قبل أن يدرس الحقوق ويشتغل بالمحاماة في المحاكم الشرعية، ويتعلم الفرنسية ويُتقنها نطقًا وكتابة حتى كتب بعض بحوثه بها، ثم ينتقل للتدريس في الأزهر بكلية أصول الدين لمادتي الفلسفة والأخلاق، ثم حصل على درجة الدكتوراه من جامعة السوربون عن الدين والفلسفة في رأي ابن رشد وفلاسفة العصر الوسيط، من أهم كتبه: (مباحث في فلسفة الأخلاق)، (فلسفة الأخلاق في الإسلام وصلاتها بالفلسفة الإغريقية)، (تاريخ الأخلاق)، (القرآن والفلسفة)، (بين الدين والفلسفة في رأي ابن رشد)، (الدين والفلسفة معناهما ونشأتهما وعوامل التفرقة بينهما)، (المدخل لدراسة الفقه الإسلامي)، وغيرها.
[٩] لعل ذلك بحكم أن الكتاب وجه بالأساس لطلبة كلية الشريعة والقانون في جامعة الرسول الأكرم في لبنان، كما ذكر مؤلفه في مقدمته.
[١٠] مستشرقة بولندية تلقت تعليمها في كلية الحقوق وفي معهد اللغات الشرقية، وتعمقت في دراسة اللغة العربية والتقاليد الإسلامية، ثم انتقلت إلى مصر وتدرس في جامعة الأزهر عام ١٩٦١م لمدة خمس سنوات، وكانت أول فتاة تدرس هناك قبل أن يفتح الأزهر أبوابه على إثر ذلك للإناث.
[١١] وائل حلاق: نشأة الفقه الإسلامي وتطوره، ترجمة: رياض الميلادي، دار المنار، الطبعة الأولى ٢٠٠٧م، ص ٢٦٩.
[١٢] للمزيد حول هذا الموضوع، يمكن الرجوع للفصل الثاني: الأُسس الفلسفية للتشريع الإسلامي، من كتابي: الشريعة المعجزة، مركز أركان للدراسات والأبحاث والنشر (القاهرة)، الطبعة الأولى ١٤٤٣هـ / ٢٠٢١م.
[١٣] سامي زبيدة: الشريعة والسلطة في العالم الإسلامي، ترجمة: عباس عباس، دار المدار الإسلامي (بيروت)، الطبعة الأولى ٢٠٠٧م، ص ٨٧.
[١٤] سامي زبيدة: الشريعة والسلطة في العالم الإسلامي، المرجع السابق، ص ٨٣.
[١٥] للمزيد حول تأثير النخبة القانونية في البلاد العربية وموقفها من تحكيم الشريعة، يمكن الرجوع للفصل الثاني: التعليم القانوني بين التجريف الوضعي والإصلاح الشرعي، من كتابي: الشريعة والتحديث: مباحث تاريخية واجتماعية في تقنين الشريعة وتطبيقها، مركز أركان للدراسات والأبحاث والنشر (القاهرة)، الطبعة الأولى ١٤٤٣هـ / ٢٠٢١م.
[١٦] وائل حلاق: تاريخ النظريات الفقهية في الإسلام: مقدمة في أصول الفقه السُّني، ترجمة: أحمد الموصلي، المدار الإسلامي (بيروت)، الطبعة الأولى ٢٠٠٧م، ص ٣٢٤ وما قبلها.
[١٧] وائل حلاق: تاريخ النظريات الفقهية في الإسلام، المرجع السابق، ص ٢٠٠.
[١٨] عِزة حسين: سياسات تقنين الشريعة: النُّخب المحلية والسلطة الاستعمارية وتشكُّل الدولة المسلمة، ترجمة: باسل وطفة، الشبكة العربية للأبحاث والنشر (بيروت)، الطبعة الأولى ٢٠١٩م، ص ٢١٨، ٢٢٠.
[١٩] تيموثي ب. دانيالز: ديناميات الشريعة: الشريعة الإسلامية والتحولات الاجتماعية السياسية، ترجمة: د. محمد الحاج سالم وجهاد محمد الحاج سالم، نهوض (الكويت)، الطبعة الأولى ٢٠٢٠م، ص ٦٩.