من آثار “العلمنة” في النظر للأسرة؛ تعامل كثير من الزوجات، والأزواج أيضًا، بنفسية “المُضحي“.. الغريب أن هذا في الغالب ما يكون مبنيًا على خيالات وأحلام موهومة؛ بمنطق “لو كنت… لكان… لكني تركت هذا كله لأجل الزواج”، كأن الأسرة “مقبرة” دفنا فيها آمالنا العريضة!
هذه النفسية وهذا المنطق ناتج عن تمحور الإنسان حول ذاته وآماله وأحلامه.. وغياب فكرة الاستخلاف وحقيقة وجود الإنسان على الأرض، وضمور الغاية من وجوده وهي توحيد الله عز وجل وتعبيد الناس لرب العالمين.. فَقد البوصلة باختصار.
فيتصور المتوهم؛ أن الأسرة والإنجاب والذرية والتربية كلها أمور رغم أهميتها؛ لا توازي في قيمتها قيمة الشهادة العالية، أو المهنة العظيمة، أو الشهرة الكبيرة.. فترك ذلك كله لأجل الأسرة؛ “تضحية” تستحق التقدير والتعظيم ويُنتظر تثمينها!
مع أن الأصل عكس ذلك، فأعظم نعمة يمتن الله بها على الإنسان وتستلزم شكره عز وجل؛ بعد الإسلام هي الزواج!
تأمل كيف ختم تعالى قوله: {ومن آياته أن خلقَ لكم من أنفسكُم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودةً ورحمة} بقوله: {إن في ذلك لآياتٍ لقوم يتفكرون}.. قال المفسرون: من أجل ما في نظام الزواج من نِعم ودلائل تستلزم التوحيد لكن لا يُدركها إلا من تفكر وتدبر.
ومنه تُدرك لمَ كان الصحابة يُكثرون من الزواج والإنجاب، حتى أنك تجد صحابيًا واحدًا مثل أنس بن مالك رضي الله عنه له أكثر من مائة ولد، وصحابية واحدة مثل عاتكة بنت زيد رضي الله عنها تزوجت أربعة من كبار الصحابة، كلما مات أحدهم تزوجها آخر، وفي الجملة لا تكاد تجد صحابيًا واحدًا إلا وله أكثر من زوجة وزوجتين.
أحد أعظم معاني الشريعة وانعكاسات الدين في النفوس؛ الاستخلاف، وإذا كانت “ذات الإنسان” هي الفكرة المركزية في العلمانية، وغايتها إشباع اللذة؛ فإن “الطاعة” هي الفكرة المركزية في الشريعة وغايتها تحقيق الاستخلاف والعبودية والتوحيد.