ثمة مثل إنجليزي شهير يقول: “القوانين كبيت العنكبوت؛ تقع فيه الحشرات الصغيرة وتعصف به الطيور الكبيرة”!
هذا هو الفرق الأساسي بين الدولة الحديثة ودولة الشريعة؛ أن الفرد يعلم مسبقًا أن بشرًا مثله هو من صنع القانون، فهيبة القانون من هيبة من صنعه، وقيمته من قيمة من وضعه، فإذا كانت هيبته وقوته بسبب أن من يطبقه هو من يحمل السلاح ويمتلك الدبابة؛ فلا مجال للكلام عن احترامه إذا كنت تعرف أو على صلة بمن يحملون السلاح ويمتلكون الدبابة!
القانون أبدًا لا يملك في ذاته أسباب احترامه، ولذلك تسقط كل مقومات احترامه دائمًا وأبدًا إذا تعطلت أو اختفت كاميرات المراقبة!
أما مقومات احترام الشريعة ففي ذاتها؛ لسبق العلم أنها موضوعة من قوة تعلو كل البشر ولا يصلح معها أي استثناءات أو معارف أو صلات أو وساطات.
فالطاعة التي يتمتع بها القانون والتي تدعو الناس للتقيد بها سببها؛ الاحترام المفروض من سلطة لها حق استخدام القوة دائمًا وأبدًا، لكنها كما تحضر؛ تغيب، ومن يملك استخدامها؛ يملك تعطيلها!
أما الطاعة التي تتمتع بها الشريعة وتدعو الناس للتقيد بها طوعًا سببها؛ الالتزام المعنوي الذي يجد أساسه في الدين دون حاجة إلى قوة تفرضها إلا في حالة جحدها أو إنكارها أو التمرد عليها.
ولذلك كان من أهم آثار الشريعة: حماية الأخلاق وتهذيب النفوس وتطهير الضمائر وتكفير الذنوب.
ولنفس السبب أيضًا كانت القوة الحقيقية في المجتمع؛ للعلماء الربانيين وليس أرباب السلطة، لأن قوة القوانين اكتسبتها مؤلفات العلماء؛ إذ كان منوطًا بها تفسير قوانين الشريعة وشرحها، ولم يكونوا في حاجة للدخول على السلاطين والحُكام والسعي للحصول على مناصب القضاء والسلطة، لأنها في نظرهم لم تكن لها أي قيمة بل قد تكون وبالًا عليهم لأنها مظنة العصف بقوانين الشريعة، ببساطة: القوانين باقية والسلطة ذاهبة، القوانين دائمة والسلطة مؤقتة.