من دقائق الشريعة ومعانيها العظيمة.. أنها لا تترك شيئًا أساسيًّا في حياة الناس، معنويًا كان أو ماديًا، إلا ربطته بمعنى ديني عقدي أو تزكوي تربوي!
لننظر مثلًا لموضوع “النصر” ، ولاحظ تعبير القرآن بـ “إلّا مِن عِنْدِ اللَّه”.. وكيف أنه يرتبط لزومًا ويُشتق من اسم من أعظم أسماء الله تعالى “النصير”، الذي يأمر القرآن بأن يُتخذ وليًّا ويُبتغى منه النصر، لأن القوة كلها لله تعالى، وهو الذي أوجدها في أيدي الناس وفي نفوسهم، وهو القادر على سلبها منهم وتعطيلها في أيديهم واستبدالهم فيها!
وكيف يُؤكد الشرع على أن القلق في النصر يرجع إلى الخلل في التوكل، إما بالإشراك بالله في الاعتمادية، أو عدم الأخذ الكافي بالأسباب، فالنصر قضية لا يمكن فصل البُعد العقدي فيها عن المادي!
ومنه تفهم قول النبي صلى الله عليه وسلم: “هل تُرزقون وتنصرون إلا بضعفائكم”؟! أي ضعفائكم في الحال لا في الإيمان، فالذي نفعهم هو الإيمان، ولم ينفعهم وحدهم، بل نفعهم ونفع كل المؤمنين.. وكان بعض السلف يقول: “اتقوا مجانيق الضعفاء” أي دعواتهم، لأنهم أشد إخلاصًا لخلو قلوبهم من التعلق، وبُعدهم عن الركون لأنفسهم.
وتفهم لماذا أن النمرود حين تجبر أهلكه الله عز وجل بمخلوق في غاية الحقارة “ذبابة”، وأن عادًا حين تجبروا واغتروا بقوة أجسادهم؛ عُذبوا بمخلوق في ظاهره أضعف شأنًا هو “الريح”، حتى قال بعض المفسرين: “طارت أجسامهم كالريش”! فلم تثبت أجسادهم في الأرض، ولم تنفعهم قوتهم!
لذلك كان من أجمع الدعاء الذي علمنا النبي صلى الله عليه وسلم: “اللهم أنت عَضُدِي ونَصِيرِي، بك أَحُول وبك أَصُول وبك أُقاتل”، فبـ “أنت” نُثبت كمال القدرة لله، و بـ “بك” نُثبت تمام العجز لأنفسنا،
قال السعدي: “ولتَطمئنَّ قُلوبُكم به وما النصرُ إلا من عند الله”، أي “لا تعتمدوا على ما معكم من الأسباب، بل الأسباب فيها طمأنينة لقلوبكم، وأما النصر الحقيقي الذي لا معارض له، فهو مشيئة الله لنصر من يشاء من عباده، فإنه إن شاء نصر من معه الأسباب كما هي سنته في خلقه، وإن شاء نصر المستضعفين الأذلين ليُبين لعباده أن الأمر كله بيديه”.