الذُّل ليس فيه مكرمة تُذكر، ولا محمدة تُرتجى، ولا منقبةٌ تُنال، مازال يورث كلَّ رذيلةٍ، ويُكسب كلَّ منقصٍ؛ فالذليلُ لا يجد أيَّ غضاضةٍ في الرضا بخيانة الخائنين وتصديق الكاذبين، أو نَقيصة في أن يحمد طُغيان الطغاة، ويشكر ظلم الظالمين. لا يجد أي حرج في التلبس بعار الفاسدين، أو التقرب من الفاجرين، أو الوقوع في وحل قذارة المنحرفين، محاسنُ الأخيار في نظره سوءات، وفضائل الأحرار في اعتقاده مذمات.
وأسوءُ السوء أن الذليل لا يُبالي بما يُقال عنه فضلًا عما يُعتقد فيه؛ ففاقتُه عند أسياده فحسب، وحاجته لا تُنال إلا إذا جُلد بالسياط لا غير، نفسه هانت عليه قبل أن تهون على الناس؛ فإيمانُه بالله ضعيفٌ، وثقتُه بنفسه معدومةٌ، وحسنُ ظنِّه بالناس مفقودٌ، دينُه في فتورٍ، وعِزته في انكسار، لا تحمل نفسَه أنفةً، ولا تستقر في قلبِه غيرةٌ أو نخوةٌ.
عزيزٌ على بني جلدته، ذليلٌ لغيرهم، يُراقب الناسَ أكثرَ مِن مُراقبته لله مخافةَ ملامتِهم، فيستخفّ منهم ولا يستخفّ من الله.