في خضم هذه الحياة المادية، والتجارب الصعبة التي نعيشها، يجب أن نَمتحنَ أنفسَنا ونسألها:
هل نحن حقًا أحرار؟!
قد يُسارع البعض بالإجابة: نعم، نحن أحرار.
لكن مَن هو الحرُّ؟!
الحرُّ مَن لم يكن عبدًا، الحرُّ مَن لم يكن أسيرًا.. الحرُّ هو مَن يملك أن يسعى لحقِّه، طالما أن سعيَه نحو استيفاءِ حقه ليس فيه اعتداء على حقوق الآخرين ومصالحهم المشروعة.
هذه حقيقة الحرية؛ فهل نحن حقًا أحرار؟!
إذا كنا لا نستطيع أن نُسيَّرَ بعضَ أمورنا..
إذا كنا لا نستطيع أن ننزع اليأسَ والخنوعَ من قلوبِنا..
إذا كنا لا نستطيعُ أن نتحملَ بعض الأذى الذي تحمله سلفُنا..
إذا كانت السُلطة والمال والعلاقات المحرمة هي مطلبُ كثيرٍ منا..
إذا كان التملقُ والنفاقُ هما وسيلةَ كثيرٍ منا في الحصول على مآربهم الشخصية..
إذا كنا لا نستطيع أن نعلوَ بأنفسنا فوق شهواتنا ورغباتنا الدنيئة..
إذا كان الخيرُ فينا قد صدأ وغطته رطوبةُ البُعدِ عن الحقِّ وسَطَا عليه غُبارُ الرذيلةِ..
إذا كنا لا نستطيعُ أن نَهجرَ الضعفَ والعطالةَ والإهمالَ والسرفَ والصغائرَ والسفاسفَ ووضعَ الأشياء في غير مواضعِها..
إذا كنا لا نستطيعُ أن نهجرَ الأنانية والكذب والرياء مما أراد نبيُّنا أن يطهر منه نفوسنا..
إذا كنا لا نستطيع أن نَكُفَّ الشرَ عن بعضِنا البعض أو نَمسَّ كرامة بعضنا البعض..
فأنَّى.. فأنَّى لنا الحرية؟!
تُرى ما مَصائرُ الناس الذين استودعونا حقوقَهم؟!
تُرى إلى أين تؤول الأُمة التي استخلفنا اللهُ إقامة العدل فيها؟!
إذا كنا نرغبُ في أن ننال حرياتنا وبعضَ حقوقنا؛ فلا بُدَّ من أداء واجباتنا، كلٌّ فيما استخلفه الله من سُلطة.
ولا سبيلَ لنا ولا سبيل للناس معنا لننالَ حُرياتنا وبعض حقوقنا إلا بالتماس مرضاة الله وحده في عملنا ومعاملاتنا وحياتنا.
والله لا يرضى أن نلوثَ طهارتنا بالسُلطة والمال والعلاقات المحرمة.
الله لا يرضى أن نحطَّ من كرامتنا، أو نحط من منزلة وظيفتنا باللَّهث لإرضاء بعضِنا، فضلًا عن غيرنا.
الله لا يرضى أن نُشغِلَ مداركنا وعقولنا بلغو القول أو الفلسفة التي لا طائل وراءها.
الله لا يرضى أن نتهاونَ مع الباغي أو الظالم، أو نتهاون في الحكمِ بالحقِ والشرعِ والعدلِ.
هذه هي الوحدةُ التي ارتضاها الله لنا وأوصانا تعالى بها، ولا وحدةَ ولا اتفاقَ بيننا إلا إذا تعاهدنا عليها.
ولْيَعلم كلٌّ منا أن المرءَ قليلٌ بنفسه، كثيرٌ بإخوانِه المخلصين الصادقين، وكلما كان في خضم هذه الحياة الصعبة أكثرَ إخوانًا؛ كان بذلك أقوى على نيل حريته وحفظ كرامته وتحقيق أمنيته.
فلعلنا نثوبُ يومًا إلى رشدِنا، ولعل قلوبنا تَمتلئ حبًا ونورًا، ولعلنا ننضوي تحت لواء جادٍ صادقٍ عاملٍ دءوبٍ مُخلص.
————
* نُشر المقال لأول مرة في موقع “الألوكة” بتاريخ ٢٢ فبراير ٢٠١١م.