عن معرض الكتاب واقتناء الكتب.. لا تنسى أن المغزى الأساسي للمسلم من المعرفة؛ “التزكية“، فمنها تأتي أهمية كل العلوم والأفكار والمعارف المتصلة بالإنسان، اسمع قول الله تعالى: “كما أرسلنا فيكُم رسولًا منكم يتلوا عليكم آياتنا ويُزكِّيكُم ويُعلِّمكم الكتاب والحكمة ويُعلِّمكم ما لم تكونوا تعلمون”، وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: “اللهم آت نفسي تقواها وزكِّها أنت خير من زكَّاها أنت وليها ومولاها، اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع…”.
فقَدم التزكية على التعلم والتفكر، وهي تهذيب النفس وإصلاحها، لأن النفس تُخلق على الفطرة ثم تتلوث شيئًا فشيئًا مما يعترضها من أرجاس وضلالات وهموم وظُلم وكدر الدنيا، فتتغير وتتبدل وتنسى ما كانت عليه.. فلا تصلح حينئذٍ لحمل تركة الأنبياء وهي العلم فضلًا عن تأديته، فربما زاد العلم من ضلالها وبُعدها عن الله!
وتأمل كيف أن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام حينما دعيا الله عز وجل قالا: “وابعث فيهم رسولًا منهم يتلوا عليهم آيتِك ويُعلِّمهم الكتاب والحكمة ويُزكِّيهم”، لكن الله تعالى لما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم للناس قال: “كما أرسلنا فيكُم رسولًا منكم يتلوا عليكم آياتنا ويُزكِّيكُم ويُعلِّمكم الكتاب والحكمة ويُعلِّمكم ما لم تكونوا تعلمون”.. فأخبرهم أنه أرسله ليُزكِّيهم ويُعلمهم، وتكرر التنبيه في موضعين مختلفين في القرآن!
فظهر من المفارقة أن الأمر له معنىً مهمًا، وهو التأكيد على قيمة “التزكية” ومركزيتها بتقديمها بعد تأخير، فيما يخص أُمة محمد صلى الله عليه وسلم!
ولذلك في قوله تعالى: “قد أفلح من تزَكّى”، يقول المفسرون “تزَكّى” للتكلف في الفعل، أي بَذَل كل ما في وسعه في تهذيب نفسه حتى أنه تكلف في ذلك!
لأن النفس إذا زكت؛ أدركت عظمة الله في كل شيء، وصَغُر في عينها كل شيء، فصارت أقوى الناس قلبًا، وأشرحهم صدرًا، وأطيبهم عيشًا.. فكانت أسرعهم تعلمًا، وأنفعهم بما علمت.