وقت القراءة 2 دقيقة
373 عدد المشاهدات
يتداول البعض صور لتصور الجنة عبر تطبيقات الرسم بالذكاء الاصطناعي، ولا أشك في حُرمة استخراج هذه الصور ونشرها، ونحوها صور الأنبياء والملائكة..
الجنة والنار والبعث والصراط والحساب وأحوال القيامة تستمد هيبتها من غيبيتها وعصيّها على التخيل والتصور، ومن قداسة النص القرآني الذي يصفها، وعظمة الخالق الذي خلقها وأقسم بها وجعل تصورها فوق أي عقل.. لذلك كانت واجبة التعظيم كتعظيم الأنبياء وأشد..
وتأمل فكرة الإيمان بالغيب تجد أنها تتعارض مع فكرة قياس مجالات الغيب ماديًا.. فقوامها الرئيسي ليس محض التصديق فقط، بل تصديق ماهيتها التي جاء بها النص الديني بلا أي طلب حسي ونزع مادي حداثي..
لذلك تُركت للخيال، وجعل الخيال كالتجسيد والتصوير جهل، فالصورة حبس للخيال!
لماذا؟
لأن الغيبيات محل اختبار السمع والطاعة، فهي تابعة للاستجابة للتوحيد، والإمعان في تعظيم الخالق بالإمعان في التصديق..
أحد أهم الفوارق بين لذّات الدنيا ونعيم الجنة.. أن لذّات الدنيا متناهية مدركة، بعكس الجنة؛ فلذّاتها غير متناهية.. وهو ما يجعل الجنة أدعى لتحقيق سعادة لا تسعها الدنيا!
وهي ليست سعادة محدودة بالمفهوم المادي المركزي الغربي.. إنما سعادة متجددة ذات “طمأنينة” و “سكينة” غير محدودة، وهذا من طبيعة المفارقة بين الدنيا والآخرة..
أما لذّات الدنيا فعصية على تحقيق ذلك النوع من السعادة، لأن الإنسان بطبيعته يسعى للحصول على الرغبات سعيًا حثيثًا، وبمجرد نيلها تفتر حرارته وتتلاشى رغبته فيها ويملها بالتدريج ويضجر منها..
ولذّات الجنة عصية أيضًا، لكن عصية على التصور.. لأن الملل والضجر يُنتزعان من النفوس فيها بقوة الله تعالى، ضمن سائر الصفات السلبية التي تُنتزع مثل الحزن والكآبة والسخط والكراهية، لقول الله تعالي: “لا يَمَسُّنا فيها نَصَبٌ ولا يمَسُّنا فيها لُغُوب” أي تعب وكلل وفتور.. لذلك قال عز وجل: “خالدين فيها لا يَبْغُونَ عنها حِوَلا”!
لماذا؟!
لأنه “فلا تعلمُ نفسٌ ما أُخفي لهم من قُرَّة أعين”، أي لا تبلغ نفسٌ من أهل الدنيا معرفة ما أعد الله لهم فيها.. فكيف يمكن تصورها؟!
كيف يمكن أن تصور “وظل ممدود” بمقاييسنا المادية.. والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: “إن فى الجنة شجرة يسير الراكب فى ظلها مائة عام لا يقطعها”؟!
أو تصور “حورٌ مقصورات في الخيام” بمقاييس الدنيا.. والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: “إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة، عرضها ستون ميلًا، في كل زاوية منها أهل ما يرون الآخرين”؟!
هل يمكن أن يُدرك أي عقل؛ هكذا ظل أو هكذا بيت؟!
لذلك كان أجمع ما قيل في الجنة؛ قول النبي صلى الله عليه وسلم: “فيها ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر”!
فاستحالة تصور الجنة والقطع بغيبية أحوال الآخرة، مقتضاه أن طلب تصورها ماديًا تحدي للاستحالة المقطوع بها، وهذا ممنوع شرعًا..
قال النبي صلى الله عليه وسلم: “لموضع سوط فى الجنة خير من الدنيا وما عليها”..