وقت القراءة 22 دقيقة
878 عدد المشاهدات

آخر تحديث: ١٥ أغسطس ٢٠٢٢م

عبد الرزاق السنهوري: ولد في أغسطس عام 1885م بالإسكندرية، وأتم دراسته الابتدائية بمدرسة راتب باشا، ثم حصل على شهادة المدرسة الثانوية من مدرسة العباسية عام 1913م، ثم التحق بمدرسة الحقوق الخديوية فتخرج منها وحصل منها على شهادة الليسانس عام 1917م وكان أول دفعته، وابتدأ حياته الوظيفية موظفًا في جمرك الإسكندرية قبل تخرجه، ثم عُيِّن وكيلًا للنائب العام بعد تخرجه من مدرسة الحقوق، ثم عُين مدرسًا للقانون بمدرسة القضاء الشرعي عام 1920م، واختير للسفر في بعثة إلى فرنسا عام 1921م للحصول على الدكتوراه، فحصل من جامعة ليون على درجة الدكتوراه مرتين: الأولى في الحقوق عام 1925م عن رسالته (القيود التعاقدية على حرية العمل في القضاء الإنجليزي)، والثانية في العلوم السياسية عام 1926م عن رسالته (الخلافة وتطورها لتكون عصبة أمم شرقية).

عقب عودته إلى مصر عُين مدرسًا للقانون بكلية الحقوق عام 1926م، لكنه فُصل من الجامعة عام 1935م بسبب إنشائه (جمعية الشباب المصريين) والتي اعتبرتها الحكومة في ذلك الوقت مؤيدة لحزب الوفد، ثم أُعيد للجامعة في ذات العام بعد استقالة الحكومة، وانتدب للتدريس بكلية الحقوق بجامعة بغداد، وعاد منها لكلية الحقوق بجامعة القاهرة حيث انتُخب عميدًا لها عام 1937م، وفي ذات العام عُين قاضيًا بالمحاكم المختلطة.

وفي عام 1939م عُيِّن السنهوري وكيلًا لوزارة المعارف، ثم استقال منها عام 1942م، فاشتغل بالمحاماة فترةً سافر خلالها إلى بغداد ودمشق لإعداد مشروعي القانونين المدنيين العراقي والسوري، ثم اختير وزيرًا للمعارف ابتداءً من عام 1945م في وزارتي أحمد ماهر ثم النقراشي ثم إبراهيم عبد الهادي، وفي هذه الفترة استطاع أن يُقرر اللغة الفرنسية على طلاب الثانوية وكان ذلك هو السبب الرئيسي لمنحه وسام ليجيون دويز من الحكومة الفرنسية بعد ذلك.

اُختير السنهوري عضوًا بمجمع اللغة العربية عام 1946م، ثم عُيِّن رئيسًا لمجلس الدولة عام 1949م وبقي في منصبه حتى وقع عليه حادث اعتداء عُمال النقل الذين سيَّرهم إليه جمال عبد الناصر في مارس عام 1954م، حين قام هو والقاضي سليمان حافظ بمنح ‏المشروعية لثورة يوليو 1952م في إطار انتقال السُّلطة من الملك فاروق إلى لجنة الوصاية على العرش فحسب، مُطالبًا ‏الجيش أن يعودَ إلى ثكناته العسكرية، وهو ما عرَّضهما لموقفٍ بالغِ السوء من تدبير عبد الناصر حيث تم تسيير عمال النقل العام بزعامة رئيس اتحاد عمال النقل، إلى مجلس الدولة، فاقتحموه مُردِّدِين ‏هتافات: “تسقط الديمقراطية”، “تحيا الديكتاتورية” [1]، واعتدوا على السنهوري بالضرب في قلب مجلس الدولة.‏

وأُقصي من منصبه بعدها بوقت يسير، فلجأ إلى الكويت مدة وجيزة، وساهم في وضع عدد من القوانين في البلدان العربية مثل الكويت والأردن وليبيا، ثم تفرغ للتدريس في معهد الدراسات الغربية، ووضع أهم مؤلفاته (الوسيط)، قبل أن يتوفى في يوليو عام 1971م ودفن بمقابر عائلته بمصر الجديدة.

وكان للسنهوري أثر بالغ الأهمية في إثراء الفِكر الإسلامي، وتخرَّجت عليه أجيال كثيرة من القانونيين العرب الذين انتشروا في قضاء المحاكم والمحاماة والتدريس الجامعي منذ ثلاثينات القرن الماضي حتى الستينات، ومن أهم مُؤلفاته: أصول القانون، نظرية العقد، الموجز في الالتزامات، التصرف القانوني والواقعة القانونية، عقد الإيجار، وجميع هذه الكتب كانت تُدرس لطلبة كلية الحقوق بجامعتي القاهرة وبغداد.

ومن كتبه أيضًا: الوجيز في شرح القانون المدني: وقد صدر منه جزء واحد، ويبدو أنه أراد به أن يختصر كتاب الوسيط، مصادر الحق في الفقه الإسلامي، القيود التعاقدية على حرية العمل في القضاء الإنجليزي.

لكن لعل أهم كتبه على الإطلاق: فقه الخلافة وتطورها لتصبح عصبة أمم شرقية، وهو رسالته بالفرنسية لنيل الدكتوراه في العلوم السياسية، ثم ترجمته ابنته د. نادية السنهوري وزوجها د. توفيق محمد الشاوي إلى العربية.

بالإضافة لكتاب الوسيط في شرح القانون المدني: ويقع في عشرة أجزاء، ويعتبره المتخصصون والباحثون المرجع الأساسي في فهم القانون المدني الوضعي.

وله عدة مقالات نُشرت بمجلة القانون والاقتصاد، ومجلة المحاماة الشرعية، ومجلة مجلس الدولة، وغيرها.

ومع جهوده في إثراء المعرفة الشرعية المعاصرة، حتى عُد من أهم من طرح وتكلم عن بعض القضايا الشرعية في القرن العشرين كالخلافة الإسلامية والعقد ومصادر الحق وغير ذلك، وكان له جهود كبيرة في وصل الأحكام الشرعية بالأفكار القانونية، وإعادة تسكين تلك الأحكام في المجال العلمي بلغة قانونية معاصرة على نحو غير مسبوق.

لكنه يُعد أبرز الشخصيات القانونية التي أخذت على عاتقها مهمة سن التقنينات الوضعية في البلاد العربية، إذ سخَّر جهده وحياته في سبيل ذلك [2]، فقد تنقل من بلد إلى بلد لتدريس القانون المدني في كليات الحقوق بجامعاتها، ولمساعدة الحكومات والسلطات التشريعية في وضع دساتيرها وقوانينها ­ لاسيَّما المدنية منها ­ وإليه يُنسب سن القانون المدني العراقي (ابتداءً من عام 1936م، وتم الانتهاء منه بعد فترات توقف عام 1951م)، والقانون المدني السوري (ابتداءً من نوفمبر عام 1943م، وتم الانتهاء منه بعد فترات توقف عام 1949م)، والقانون المدني المصري (ابتداءً من عام 1938م، حتى انتُهي منه عام 1948م) [3]، والقانون المدني الليبي (في عام 195٦م)، وساهم في وضع دستور الكويت وقانونها التجاري فيعهد أميرها عبد الله السالم (في الفترة ما بين عام 1960م وحتى 1962م)، والمساعدة في وضع دساتير وتقنينات مدنية وخاصة في بلدان أخرى كالسودان والبحرين والإمارات العربية المتحدة.

ولعل بعض الباحثين والمتخصصين يعجب من صنيع السنهوري في التقنينات التي قام بوضعها أو المشاركة في وضعها، حيث كان يُفاخر بالشريعة الإسلامية وإعجازها [4] ورغم ذلك لم يجعلها المصدر الرئيسي في التقنينات التي قام بوضعها، كما جعل الفقه الإسلامي أساس بعض مواد هذه التقنينات وبنودها، في حين أهمله بالكلية في مواد وبنود أخرى أكثر أهمية، ودلالة الشريعة فيها أوضح.

ولا غرابة في الأمر؛ فالسنهوري كان على دراية بالفقه الإسلامي في مجال التشريع وله في ذلك كتاب (مصادر الحق في الفقه الإسلامي) [5]، ومع ذلك فقد اعتمد في التقنينات المدنية المُشار إليها على خلط أحكام الفقه الإسلامي بأحكام القوانين الأجنبية التي قام بدراستها ­ لاسيَّما الفرنسية منها ­ في جامعة ليون في الفترة ما بين عامي (1921: 1926م)، وهذا الخلط كان يعتمد على محض آراء شخصية، لخلق قواعد قانونية قومية ذاتية مستقلة تمامًا عن الشريعة فيما عُرف وقتهها بـ “تمصير القوانين[6]، فالفقه الإسلامي عند السنهوري لم يكن سوى محض مدوَّنة قانونية من المدونات المقارنة التي كان يستقي منها نصوصه، يسدُّ ببعض أحكامه أوجه النقص والعور في القانون المدني، أو على أحسن تقدير تحديث للشريعة في ضوء النظم القانونية الغربية لاسيما الفرنسية، وفي ذلك يقول السنهوري نفسه: “إن الشريعة الإسلامية هي شريعة الشرق ووحي أحكامه، ومتى ألفنا بينها وبين الشرائع الغربية، فروح من الشرق وقبس من نوره يضيء طريقنا للمساهمة في نهضة الفقه العالمية” [7].

لقد سوغ السنهوري ورجال “الإصلاح القانوني” في هذا الوقت برنامج “تمصير القوانين” لتدعيم الدولة في وجه الصراع الفرنسي / الإنجليزي حول القانون الذي ورث الشريعة، ومؤسساته التي ورثت المؤسسات الدينية، ضمن مشروع أكبر نما وترعرع سريعًا في العالم العربي هو “القومية” في مواجهة الاستعمار والهيمنة الغربية، ونظر للعثمانية على أنها جزء من هذه الهيمنة المرفوضة!

يقول السنهوري في مقاله (على أي أساس يكون تنقيح القانون المدني المصري؟) تحت عنوان: (المصادر التي يستمد منها التنقيح من حيث الموضوع): “أما من حيث الموضوع فنرى أن تكون المراجعة مُستمدة من مصادر ثلاثة: تجاربنا الخاصة وتجارب غيرنا من الأمم، وتقاليدنا الماضية في القانون، فتستهدي اللجنة التي يوكل إليها أمر التنقيح:

أولًا: بالقضاء المصري في مدى نصف قرن، فهو المرشد العملي للمشرع.

ثانيًا: بالتقنينات الحديثة وما يمكن أن يستخلص من دروسها النافعة.

ثالثًا: بالشريعة الإسلامية، وكانت شريعة البلد قبل دخول التشريع الحاضر، ولا تزال شريعته في نواح مختلفة” [8].

ويقول في مقدمة كتابه (الوسيط في شرح القانون المدني) عن طريقة وضع القانون المدني المصري ومصادره: “إن النصوص التشريعية الواردة في هذا المشروع لها من الكيان الذاتي ما يجعلها مستقلة كل الاستقلال عن المصادر التي أُخذت منها، ولم يكن الغرض من الرجوع إلى التقنينات الحديثة أن يتصل المشروع بهذه التقنينات المختلفة اتصال تبعية في التفسير والتطبيق والتطور، فإن هذا حتى لو كان ممكنًا لا يكون مرغوبًا فيه، فمن المقطوع به أن كل نص تشريعي ينبغي أن يعيش في البيئة التي يُطبق فيها، ويحيا حياةً قومية توثق صلته بما يحيط به من ملابسات، وما يخضع له من مقتضيات، فينفصل انفصالًا تامًا عن المصدر التاريخي الذي أُخذ منه، أيًا كان هذا المصدر، وقد حان الوقت الذي يكون لمصر فيه قضاء ذاتي وفقه مستقل، ولكل من القضاء والفقه، بل على كلٍ منهما عند تطبيق النص أو تفسيره أن يعتبر هذا النص قائمًا بذاته، منفصلًا عن مصدره، فيطبقه أو يفسره تبعًا لما تقتضيه المصلحة، ولما يتسع له التفسير من حلول تفي بحاجات البلد، وتساير مقتضيات العدالة، وبذلك تتطور هذه النصوص في صميم الحياة القومية وتثبت ذاتيتها، ويتأكد استقلالها، ويتحقق ما قصد إليه واضعو المشروع من أن يكون لمصر قانون قومي يستند إلى قضاء وفقه لهما من الطابع الذاتي ما يجعل أثرهما ملحوظًا في التطور العالمي للقانون” [9].

ويعتذر في كتابه (الوسيط) عن عدم اتخاذ الشريعة الإسلامية الأساس الأول الذي بُني عليه القانون المدني بقوله: “أما جعل الشريعة الإسلامية هي الأساس الأول الذي ينبني عليه تشريعنا المدني، فلا يزال أمنية من أعز الأماني التي تختلج بها الصدور، وتنطوي عليها الجوانح، ولكن قبل أن تصبح هذه الأمنية حقيقة واقعة، ينبغي أن تقوم نهضة علمية قوية لدراسة الشريعة الإسلامية في ضوء القانون” [10].

ويقول في مذكراته الشخصية: “إن القرآن الكريم والحديث الشريف هما الجزء المجموع من القانون الإسلامي، وعندي أن لتفسيرهما يجب اتباع قاعدة أساسية وهي أن جزءًا من أحكامهما عام يصلح في عموميته لكل زمان ومكان ولهذا وضع، وجزءًا آخر خاص بالزمان والمكان اللذين وضع فيه، فلا يتعد إلى غيرهما إلا إذا اتحدت الظروف والأسباب، وفي القرآن الكريم نفسه ناسخ ومنسوخ، والنسخ هو قصر بعض أحكام جاءت في ظروف خاصة على هذه الظروف، واستبدال أحكام أخرى بها بعد زوال الظروف التي اقتضتها، ومما يجب التنبيه عليه أن كل ما ورد في القرآن والحديث مما يتعلق بعلاقة الخالق بالمخلوق هو من الأحكام العامة التي لا تتغير، لأن ظروف علاقة الخالق بالمخلوق لا تتغير، وهذا معنى قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [سورة المائدة: الآية 3]، فعني بالدين هذه العلاقات، وقد وردت في كتابه الكريم مستوفاة لا حاجة إلى إكمالها، أما ما عدا الدين من الأمور الدنيوية فلا تشمله الآية، والسبب في ذلك ظاهر وذلك أن الله تعالى ونبيه الكريم أمرنا أن نطيع العقل في أمور معاشنا وأن ننزل على قوانين العقل في ذلك، ومن قوانين العقل؛ “قانون التطور”، وهذا القانون يقتضي ألا تثبت الحالات الاجتماعية على نسق واحد، بل هي تسير دائمًا في تطور وتقدم، وأن من مقتضى هذا التطور أن تتطور معه علاقات البشر بعضها بالبعض، وتتغير تبعًا لذلك القوانين الاجتماعية، فأرادت حكمة الله تعالى ألا تُغلق باب التطور الاجتماعي الذي يقتضيه العقل في وجه الناس” [11].

ويقول أيضًا: “لو أمكن مزج القبطي والمسلم مزجًا تامًا حتى تنعدم كل الفروق لكان هذا خير ما يُرجى، ولكني أرى أنه يحسن الآن بذل كل مجهود لحصر هذه الفروق في دائرة ضيقة وهي دائرة الاعتقاد الديني، ولا يكون لهذا أثره في الحياة المدنية للمصري” [12].

فإذا كان ما تقدم، فلا يمكن أن يُقال إذًا أن السنهوري عمد إلى تقنين الفقه الإسلامي بطريقة متدرجة [13] تعتمد على خلطه بالتقنينات الغربية أو التقنينات الوضعية التي كان معمولًا بها، إذ صريح كلامه يدلُ على أنه عمد إلى ذلك عن قصد بُغية خلق قواعد قانونية قومية ذاتية منفصلة تمامًا عن الشريعة الإسلامية.

فضلًا عن ذلك، فإن هذا التدرج إن صح في شأن ما فعله بالقانون المدني المصري الذي حل محل القانون المدني القديم الذي كانت تطبقه المحاكم المختلطة والأهلية لن يصح أبدًا ولن يجد له مبررًا في شأن القانونين المدنيين العراقي والسوري؛ اللذين تم إحلالهما محل (مجلة الأحكام العدلية) التي كانت مؤسسة على الفقه الحنفي، وكذلك القانون التجاري الكويتي الذي تم إحلاله جزئيًا مكانها، وغير ذلك مما قننه أو ساهم في تقنينه من دساتير وقوانين في البلاد العربية التي كانت تطبق الشريعة الإسلامية أو قريبة العهد من ذلك.

حتى أن اللجنة التي وضعت القانون المدني الليبي معتمدة على القانون المدني المصري بالأساس، وكان السنهوري على رأس تلك اللجنة؛ وقعت في أخطاء فجة وصفت وقتها بـ “المضحكة” [14]، نتيجة السرعة غير المبررة في وضع القانون.

وفيما نقله د. محمد عبد الجواد محمد أنه كان يرغب في إحلال القانون المدني المصري أو العراقي محل (مجلة الأحكام العدلية) لكنه لم يستطع لموقف أمير الكويت وقتها الذي قال عنه السنهوري: “وبدا لي أنه ينظر إلى المجلة كأنها قرآن” [15]، وهو سر تعمير المجلة في الكويت واستمرار تطبيقها حتى وقت متأخر جدًا من زوال الخلافة الإسلامية وتحديدًا في عام ١٩٨٠م.

إن السنهوري ذاته لم يُنكر أن القوانين المدنية التي كان مسئولًا عن وضعها، ليست مستمدة بالأساس من الشريعة الإسلامية أو أنها تجد جذورها في الفقه الإسلامي، بل أقر أكثر من مرة بأنها لا تمثل مشروعه النهائي حيال الفقه الإسلامي، من ذلك ما نقله د. محمد يوسف موسى عنه، قال: “الهدف الذي نرمي إليه هو تطوير الفقه الإسلامي، وفقًا لأصول صياغته، حتى نشتق منه قانونًا حديثًا يصلح للعصر الذي نعيش فيه… وليس القانون المصري أو قانون العراق الجديد؛ إلا قانونًا مناسبًا في الوقت الحاضر لمصر أو العراق” [16].

يقول د. عمر سليمان الأشقر عن دعوى اعتماد السنهوري على الشريعة الإسلامية كمصدر رئيسي لأحكام القانون المدني: “النصوص القليلة التي أُخذت من الشريعة الإسلامية والفقه الإسلامي روعي فيها أن تكون متفقة مع المبادئ التي قام عليها القانون، فالقانون هو المهيمن على الشريعة الإسلامية يأخذ منها ما يوافقه، ويرفض ما لا يتفق مع مبادئه، يقول الدكتور السنهوري في هذا: “يُراعى في الأخذ بأحكام الفقه الإسلامي التنسيق بين هذه الأحكام والمبادئ العامة التي يقوم عليها التشريع المدني في جملته، فلا يجوز الأخذ بحكم في الفقه الإسلامي يتعارض مع مبدأ من هذه المبادئ حتى لا يفقد القانون المدني تجانسه وانسجامه” [17].. فمدى صلاح الحكم الموجود في الشريعة الإسلامية للقانون المدني مبني على موافقته للمبادئ التي بُني عليها القانون الوضعي، وهل يليق بالدكتور السنهوري أن يُقسم أحكام الشريعة إلى أحكام صالحة وأحكام غير صالحة، ويُنصب نفسه حكمًا يأخذ منها ما يشاء ويدع ما يشاء” [18].

ويقول د. محمد كامل ضاهر عن الأُسس التي أقام عليها د. السنهوري التقنينات المدنية التي قام بوضعها: “يرجع الفضل إلى السنهوري بصورة خاصةً في وضع تشريعات مدنية عربية على أسس علمانية تتلاءم مع تطورات العصر والأوضاع الداخلية لكل بلد عربي، وعندما يضطر إلى أخذ الفقه الإسلامي كمصدر يمزجه مع التشريع الغربي ليأتي مُنسجمًا مع السياق العام للقانون [19].

ويقول صبحي صالح واصفًا القانون المدني الذي قام السنهوري بوضعه: “وفي الخامس عشر من أكتوبر عام 1949م بدأ العمل بالقانون المدني الجديد الذي ولد من رحم القانون المدني القديم تهذيبًا وتقنينًا لما استقر من المبادئ في أحكام القضاء الحالي، وهذا الأخير لم يولد من رحم الشريعة الإسلامية أصلًا، ولم ينتسب لها بأي نسب” [20].

فلا يُغتر بكلام السنهوري عن تجديد الفقه الإسلامي، وتطوير الشريعة، فإن إقصاء الشريعة ودخول القوانين الأوربية للبلاد الإسلامية لم يبدأ إلا بهذه الدعوى، وقد فطن له عدد من أهل العلم الصادقين المخلصين فتصدوا لرد هذه الدعوى وكشف حقيقتها، فاتهموا بالجمود والتشدد زورًا وبهتانًا، وما دفعهم للرد سوى مواجهة محاولات التغريب والتخريب في الفقه والتشريع من خلال هذه الدعوى، التي تولى كِبرها عبد الرزاق السنهوري، وعبد العزيز باشا فهمي، وأمثالهما.

فدعوة تطوير الشريعة الإسلامية التي حمل لواءها من وقت بعيد: محمد النويهي وعبد الحميد متولي ومحمد أحمد خلف الله وآخرون، بهدف تذليل الشريعة لتبرير أوضاع المجتمعات الحديثة وفي مقدمتها الربا وعلاقات المرأة والرجل خارج نطاق الزواج، واحتواء الشريعة الإسلامية ونصوصها في داخل القانون الوضعي على النحو الذي دعا إليه عبد الرازق السنهوري في منتصف القرن العشرين، وهي دعوى ممتدة يغذيها النفوذ الأجنبي ليحول بها دون تطبيق المجتمعات الإسلامية للشريعة أو عودتها إلى طريق الأصالة، ومن أهم مبررات هذه المحاولات: القول بتغير الأحكام مع تغير الزمان، وهو قول محدود جدًا يتصل بالفرعيات ويعتمد في ذلك على نص للشيخ محمد عبده الذي يعتمد عليه الماركسيون وأعداء الشريعة لا يُمثل الإمام المُجتهد ولا المُتخصص في هذا الأمر، وإنما هي اجتهادات كان لها وضعها وظروفها في وقت كانت الشريعة تضرب بالسياط على أيدي كروم في مصر وليوق في المغرب، وهي لا تمثل اجتهادًا يمكن الأخذ به، كذلك الخطأ الذي وقع فيه علي عبد الرازق حين أراد أن يصف الإسلام بأنه دين روحاني ويلغى نظامه الاجتماعي إلغاء تامًا وتلقف بعض المستشرقين هذه النصوص الزائفة التي لم يعتمد فيه على كتاب أو سُنة لضرب الإسلام، كذلك محاولة وضع العقيدة في مكان الثبات والشريعة في مكان المتغير، وهذا أيضًا غير صحيح على إطلاقه، إن الشريعة الإسلامية إنما جاءت خالصة ثابتة صالحة لكل العصور والبيئات إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها [21].

ويُفسر د. محمد محمد حسين مفهوم تطوير الشريعة الإسلامية عند السنهوري بـ : “جعلها ملائمة لنظم حياتنا ولأنماطها المنقولة عن الغرب المسيحي، أو الغرب اللاديني على الأصح، فهو يريد أن يشكل الشريعة الإسلامية بشكل هذه الحياة، بدل أن يشكل الحياة بشكل الشريعة، أي أنه يحكم هذه الأنماط الغربية في الشريعة بدلًا من أن يحكم الشريعة في اختيار ما يلائمنا من هذه الأنماط، أو بعبارة أخرى هو يعرض الشريعة على واقع الحياة، ولا يعرض واقع الحياة على الشريعة، وهو مع ذلك لا يميز بين الشريعة الإسلامية المنزلة من عند الله وبين القانون الغربي الذي صنعته المصالح والأهواء، بل الذي صنعته اليهودية العالمية في بعض الأحيان، كما هو الشأن في القانون الفرنسي الذي استمد منه القانون المصري بخاصة، لأن هذا القانون ثمرة من ثمار الثورة الفرنسية اليهودية التي أصبحت فرنسا من وقتها دولة لا دينية من الناحية الرسمية على الأقل، وما وجه المقارنة بين قانون صنعه الإنسان وبين قانون منزل من عند الله العليم الخبير؟!

والذي يهدف إليه السنهوري هو شر الحلول، لأن الذي يفعله هو تبديل الشريعة، ولا شك أن تفاعل الشريعة الإسلامية السماوية مع شرائع الغرب الوضعية هو شر مما كان حادثًا من استعارة القانون الغربي كله أو بعضه، لأن من الممكن التخلص من الدخيل في هذه الحالة، أما في حالة الاندماج والتفاعل فإدراك الحدود بينهما صعب، وتخليص الشريعة الإسلامية مما دخلها من أسباب الزيغ والانحراف يكاد يتعذر بعد أن تتغلغل الروح الغربية في كيانها، ويصبح الناتج من تفاعلهما شيئًا جديدًا معقد التركيب تختلف خصائصه وصفاته عن كل من العنصرين المكونين له، ثم إن الناس في الحالة الأولى يدركون إدراكًا واضحًا أن القانون الذي يحكمهم قانون دخيل، أما في الحالة الثانية فقد يتوهمون أن القانون الذي يحتكمون إليه قانون إسلامي، والواقع أن هذا الذي يفعله السنهوري هو الذي يهدف إليه الاستعباد الغربي” [22].

ثم يقول: “وتطوير الفقه الإسلامي الذي يدعو إليه الكاتب، أو تبديله على الأصح، هو تطوير وتبديل لا يقف عند حد حسب اعترافه هو نفسه حيث يقول: “فالهدف الذي نرمي إليه هو تطوير الفقه الإسلامي وفقًا لأصول صناعته، حتى نشتق منه قانونًا حديثًا يصلح للعصر الذي نعيش فيه، فإذا استخلصنا هذا القانون في نهاية الدرس وأبقيناه دائم التطور حتى يجاري مدنيات العصور المتعاقبة، فقد تكون أحكامه في جزء منها، قل أو كثر مطابقة لأحكام القانون المدني العراقي أو لأحكام القانون المدني المصري أو لأحكام كل من القانونين..”، والمهم في ذلك كله أن هذا التطور الدائم سوف ينتهي بذلك التشريع الإسلامي المزعوم في المدى القريب أو البعيد إلى أن يصبح شيئًا مختلفًا عن الإسلام الذي أنزل على نبينا عليه الصلاة والسلام اختلافًا تامًا” [23].

ويقول د. محمد كامل ضاهر: “أصدر القانوني الشهير عبد الرزاق السنهوري خلال دراسته الحقوق في باريس كتابًا بالفرنسية [24] نقض فيه ادعاء علي عبد الرزاق بأن السُّلطة السياسية لم تكن من صلب رسالة الإسلام، وأكد على أن الإسلام دين ودولة، وأن من الممكن تطوير مفهوم الخلافة لتصبح عصبة للأمم الشرقية بدلًا من إلغائها، وبموجب هذا التطوير يصبح الخليفة رئيسًا فخريًا لاتحاد الدول الإسلامية، بحيث تنحصر سلطاته في القضايا الدينية فقط، بينما تصبح الشئون المدنية التي تنظم العلاقات بين أفراد المجتمع من اختصاص رؤساء تلك الدول والحكومات، واقترح السنهوري في كتابه المُشار إليه فصل الأمور الدينية في الشريعة ­ خصوصًا ما يتعلق منها بالطقوس والفرائض ­ عن الشئون المدنية والدنيوية، ووضع هذه الشئون تحت الإشراف المُباشر للسُلطات المدنية، لم تكن للسنهوري يومها شهرةً في عالم القانون، إلا أن هذه الشهرة واتته بعد ذلك ليصبح أعظم المشرعين العرب المعاصرين، وواضع معظم دساتير [25] الدول العربية في عهود استقلالها، إن المنحى الأساسي الذي ضمنه السنهوري في هذه الدساتير هو العلمنة، أي عدم جعل الشريعة الإسلامية والفقه الإسلامي من مصادرها الرئيسية، بدا ذلك واضحًا في مسودة القانون المدني المصري الجديد الذي كلف بوضعها بالاشتراك مع القانوني الفرنسي لامبير..” [26].

وقد رد على السنهوري بعض من مفكري عصره ومن بعدهم، نذكر منهم: د. محمد محمد حسين [27]، عبد الرحمن الدوسري [28]، عبد الله النوري، أنور الجندي [29]، د. محمد كامل ضاهر [30]، د. عمر سليمان الأشقر [31]، د. أحمد بن عبد العزيز الحصين [32]، وغيرهم.

ــــــــــ

* أصل الدراسة نُشر في مجلة “البيان”، العدد ٣١٥ بتاريخ ٤ سبتمبر ٢٠١٣م، قبل أن يتم توسيعها وإعادة تناولها ونشرها في كتاب (الشريعة والتحديث: مباحث وحقائق تاريخية واجتماعية في قضية تطبيق الشريعة وتقنينها) ضمن الفصل الثاني: التعليم القانوني بين التجريف الوضعي والإصلاح الشرعي.

[1] وأخبرني د. محمد يوسف عدس أن شهود عيان وقتها أخبروه ­ وكان طالبًا في الجامعة آنذاك ­ أن من هتاف المتظاهرين أيضًا حينذاك: “تسقط الحرية”!

[2] ولو بَذل د. السنهوري نصف ما بذله من جهد في سبيل تقنين الفقه الإسلامي والدفاع عن الشريعة لقام بما لم يقم به أحد قبله، ولأتى بما عجزت عنه اللجان المُشَكَّلة من عشرات القُضاة والأساتذة والفقهاء لتقنين أحكام الشريعة، لكن الله تعالى يُؤتي الحكمة من يشاء، ومن يؤتَ الحكمة فقد أوتي خيرًا كثيرًا وما يذكر إلا أولوا الألباب.

[3] وكان السنهوري يقول أنه استمد مواده وبنوده من نحو عشرين مدونة قانونية من التقنينات الوضعية المقارنة، والعجب أنه كان يُفاخر بهذا العمل، وكتب في ذلك الأبيات:

جهــود مُنهكات مُضنيات        وصلتُ الليل فيها بالنهار

وكنتُ إذا استبد اليأس يومًا         أسلُّ عزيمة الأسد المُثار

[4] من ذلك قوله: “لن يكون همنا في هذا البحث إخفاء ما بين الفقه الإسلامي والفقه الغربي من فروق في الصنعة والأسلوب والتصوير، بل على النقيض من ذلك سنُعنى بإبراز هذه الفروق حتى يحتفظ الفقه الإسلامي بطابعه الخاص، ولن نحاول أن نصطنع التقريب ما بين الفقه الإسلامي، والفقه الغربي على أسس موهومة أو خاطئة، فإن الفقه الإسلامي نظام قانوني عظيم له صنعة يستقل بها، ويتميز عن سائر النظم القانونية في صياغته، وتقتضي الدقة والأمانة العلمية علينا أن نحتفظ لهذا الفقه الجليل بمقوماته وطابعه، ونحن في هذا أشد حرصًا من بعض الفقهاء المحدثين، فيما يؤنس فيهم من ميل إلى تقريب الفقه الإسلامي من الفقه الغربي، ولا يعنينا أن يكون الفقه الإسلامي قريبًا من الفقه الغربي، فإن هذا لا يكسب الفقه الإسلامي قوة، بل لعله يبتعد به عن جانب الجدة والابتداع، وهو جانب للفقه الإسلامي منه حظ عظيم”.

عبد الرزاق أحمد السنهوري: مصادر الحق في الفقه الإسلامي، ج ١ ص ٨.

وقوله: “الشريعة الإسلامية ­ بشهادة فقهاء الغرب أنفسهم ­ تُعد من أكبر الشرائع العالمية، فما بال الغرب يعرف هذا الفضل ونحن ننكره؟! وما بال هذه الكنوز تبقى مغمورة في بطون الكتب الصفراء، ونحن في غفلة نتطفل على موائد الغير ونتسقط فضلات طعامهم؟!”.

عبد الرزاق أحمد السنهوري: صحيفة الإخوان المُسلمين، السنة الرابعة، العدد 41.

[5] وقد وقع في كتابه هذا عند حديثه عن تطور الفقه الإسلامي في أخطاء عدة عندما أراد أن يُثبت أن الفقهاء طوروا من الفقه الإسلامي وغيروا في الأحكام تبعًا لظروف الزمان والمكان.

[6] عبر عنه ليونارد وود بـ “النموذج الحداثي في تطبيق الشريعة الإسلامية”، وهو تعبير غير دقيق في وصف السنهوري، لأنه لم يكن حداثيًا بالمعنى الصحيح للكلمة، والغريب أن رغم الدور الخطير للسنهوري في التحولات القانونية في النصف الأول من القرن العشرين نجد وائل حلاق وعِزة حسين وغيرهما من المؤرخين يتجاوزون تمامًآ السنهوري ويُغفلون الإشارة إليه!

[7] محمد عمارة: د. عبد الرزاق السنهوري: إسلامية الدولة والمدنية والقانون، دار الرشاد، الطبعة الأولى، ص 208.

[8] عبد الرزاق أحمد السنهوري: على أي أساس يكون تنقيح القانون المدني المصري؟، الكتاب الذهبي للمحاكم الأهلية، مطبوعات نادي القُضاة (القاهرة)، الطبعة الثانية 1990م، ج 2 ص 118.

ولعل هذا ما يُفسر ترتيب مصادر التشريع المدني الذي أشارت إليه المادة الأولى من القانون المدني، حيث نصت على أن: (تسري النصوص التشريعية على جميع المسائل التي تتناولها هذه النصوص في لفظها أو في فحواها، فإذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه حكم القاضي بمقتضى العُرف، فإذا لم يوجد فبمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية، فإذا لم توجد فبمقتضى مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة)، فقدم نصوص القانون الوضعية ثم العُرف على (مبادئ الشريعة).

وكذلك الأمر بشأن القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951م، حيث نص في مادته الأولى على أن: (تسري النصوص التشريعیة على جمیعالمسائل التي تتناولها هذه النصوص في لفظها أو في فحواها، فإذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبیقه حكمت المحكمة بمقتضى العُرف، فإذا لميوجد فبمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامیة الأكثر ملائمة لنصوص هذا القانون دون التقید بمذهب معین، فإذا لم يوجد فبمقتضى قواعد العدالة،وتسترشد المحاكم في كل ذلك بالأحكام التي أقرها القضاء والفقه في العراق ثم في البلاد الأُخرى التي تتقارب قوانینها مع القوانین العراقیة).

ولا يُظن أن تقديم العُرف على مبادئ الشريعة الإسلامية يتفق مع أحكامها لما للعرف فيها من اعتبار كمصدر من مصادر الأحكام الشرعية كما يذكر علماء الأصول، فإن العُرف لا يُعمل به كمصدر من مصادر التشريع إلا حيث غاب النص من القرآن والسُّنة ولم يكن ثمَّة إجماع أو قياس صحيح هذا من ناحية، ومن جهة أخرى فإن القانون الوضعي لم يُعرف العُرف الذي يجب العمل به، ولم يضع له الضوابط الشرعية التي ذكرها العلماء من جهة اشتراط أن يكون صحيحًا غير مناقض لأحكام الشريعة الثابتة في الكتاب والسُّنة والإجماع والقياس الصحيح باعتبارها المصادر الشرعية المتفق عليها، وألا يفوت مصلحة معتبرة، وألا يجلب مفسدة راجحة، فعُلم من هذا أن القانون الوضعي يسوي بين العُرف الصحيح والعُرف الفاسد، وأن كلاهما مقدم على مبادئ الشريعة عند خلو النص القانوني، وهذا مما ينافي أحكام الشريعة بلا ريب ولا خلاف كما هو معلوم.

[9] عبد الرزاق أحمد السنهوري: الوسيط في شرح القانون المدني، دار النهضة العربية (القاهرة)، الطبعة الثانية 1964م، ج 1 ص 9.

[10] عبد الرزاق أحمد السنهوري: الوسيط في شرح القانون المدني، مرجع سابق، ج 1 ص 48.

[11] توفيق الشاوي ونادية عبد الرزاق السنهوري: عبد الرزاق السنهوري من خلال أوراقه الشخصية، الزهراء للإعلام العربي (القاهرة)، الطبعة الأولى 1988م، ص 169.

[12] توفيق الشاوي ونادية عبد الرزاق السنهوري: عبد الرزاق السنهوري من خلال أوراقه الشخصية، مرجع سابق، ص 99.

[13] كما ذكر أستاذنا د. محمد عمارة في كتابه: الدكتور عبد الرزاق السنهوري: إسلامية الدولة والمدنية والقانون، مرجع سابق، ص 50.

وفي هذا الصدد يلزم الإشارة إلى أمر مهم متعلق بالمقاومة الحضارية من حيث مدى فاعليتها وجدواها، فالأصول العلمية المتعلقة بتغير الثقافات وتغييرها، تُؤكد أن هذه المقاومة يُمكن أن تكون أكثر تأثيرًا وقيمة – على مستوى النتائج – في العهود الأولى للتغريب حيث لم تحدث التحولات الجذرية في ثقافة المجتمع، وحيث يمكن توظيف المجتمع – أو شرائح كبيرة منه – في هذه المقاومة، بعكس الحال إذا ما طال أمد التغريب وترك آثاره في ثقافة المجتمع وتكوينها ومصادرها، ومن ثمَّ فالمؤكد أن الفرص التي تسنح للنخب بصفة خاصة أو المجتمعات بصفة عامة لإحداث تحول حضاري ما – كنحو ما حصل للسنهوري وغيره – تقل بالضرورة مع مرور الزمن وربما تتلاشى – ما لم تتدخل عوامل أكثر ضراوة أو خارجة عن إرادتها – ويصبح من الصعوبة بمكان تكررها. 

[14] من ذلك نص خاص بطمي النيل، وآخر خاص باختصاص محكمة القاهرة!

[15] محمد عبد الجواد محمد: بحوث في الشريعة الإسلامية والقانون، منشأة المعارف (الإسكندرية)، ١٣٩٧هـ / ١٩٧٧م، ص ٤٥.

[16] محمد يوسف موسى: مقدمة كتاب “المسئولية الجنائية في الفقه الإسلامي”، د. أحمد فتحي بهنس، دار القلم، ١٩٦١م، ص م، ن.

[17] عبد الرزاق أحمد السنهوري: الوسيط في شرح القانون المدني، مرجع سابق، ج 1 ص 61.

[18] عمر سليمان الأشقر: الشريعة الإلهية لا القوانين الجاهلية، دار الدعوة (الكويت)، الطبعة الثانية 1406هـ، ص 130: 131.

[19] محمد كامل ضاهر: الصراع بين التيارين الديني والعلماني، دار البيروني (بيروت)، الطبعة الأولى 1414هـ، ص 297: 298.

[20] صبحي صالح موسى: العلمانية في قفص الاتهام: الغزو العلماني للتشريع وأثره على المجتمع، مجلة البيان، العدد‌ 160، ذو الحجة 1421هـ / مارس 2001م، ص 70.

[21] أنور الجندي: رجال اختلف فيهم الرأي من أرسطو إلى لويس عوض، دون دار نشر، ص 98.

[22] محمد محمد حسين: حصوننا مهددة من داخلها، مؤسسة الرسالة (بيروت)، الطبعة السادسة 1401هـ، ص 113: 114.

[23] محمد محمد حسين: حصوننا مهددة من داخلها، مرجع سابق، ص 118.

[24] يقصد كتابه (فقه الخلافة وتطورها لتصبح عصبة أمم شرقية)، وهي رسالته لنيل درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة ليون في فرنسا عام 1926م كما سبق بيانه.

[25] ويقصد هنا بالدساتير: التقنينات التي قام السنهوري بوضعها بصفة عامة، وليس الدساتير بالمعنى الحرفي الذي يُراد به الدستور الأساسي لنظام الدولة السياسي، بدليل قوله “معظم دساتير الدول العربية”، فالسنهوري لم يضع معظم دساتير نظم هذه الدول السياسية، وإنما وضع معظم تقنيناتها المدنية وبعض التشريعات الخاصة بها فضلًا عن دستور دولة الكويت، كما أن سياق الكلام بعد ذلك عن القانون المدني المصري يدل على أن الدكتور كامل أراد بلفظة دساتير: التشريعات والتقنينات بصفة عامة.

[26] محمد كامل ضاهر: الصراع بين التيارين الديني والعلماني، مرجع سابق، ص 295: 296.

[27] في كتابه (حصوننا مهددة من داخلها)، وكان من المعاصرين للدكتور عبد الرزاق السنهوري.

[28] كان من المعاصرين أيضًا للدكتور السنهوري، يقول: “حين جاء الدكتور عبد الرزاق السنهوري إلى الكويت دخلتُ عليه في مكتبه وقلت له: اتق الله يا دكتور، إن عملك هذا يخالف الشرع، وإنك مسئول عن تطبيق هذه القوانين في الكويت وفي غيرها، فكان الرد من الدكتور قائلًا: حكومة الكويت تريد هذا”.

[29] في كتابه رجال اختلف فيهم الرأي من أرسطو إلى لويس عوض.

[30] في كتابه الصراع بين التيارين الديني والعلماني.

[31] في كتابه الشريعة الإلهية لا القوانين الجاهلية.

[32] في كتابه من طلائع التغريب والتخريب.

Share via
Copy link