وقت القراءة 2 دقيقة
7 عدد المشاهدات

لا يستطيع أحد أن يقرأ القرآن إلا ويترسخ في نفسه أن “الشرك” ربما يكون أخطر ما يعرض للإنسان، وأن المسلم لا ينبغي أن يأمن على نفسه من مداخله.. لعلنا اليوم نُدرك شيئًا من هذه الحقيقة!

اقرأ مثلًا.. “ويقولونَ هؤلاء شُفعاؤنا عند الله”

لاحظ لفظة “عند الله”، لم يقل “من دون الله” كما في بداية نفس الآية!.. لأن أكثرهم كان يُقر بأن المتصرف هو الله؛ هو الرزاق وهو الشافي وهو الولي وهو النصير، لكنهم أرادوا التقرب لله بما توسموا فيه أنه ينفعهم، غافلين عن أنه لا ينفع نفسه فضلًا عن أن ينفع غيره! فاتخذوه واسطةً مع أن الله تعالى نبههم أنه قريب ليس بينه وبينهم واسطة، تنبيهًا صريحًا واضحًا جازمًا فقال: “وإذا سألكَ عبادي عني فإني قريبٌ أُجيب دعوة الدَّاع إذا دعان”!

هب أن أحد رؤساء الدول الكِبار استدعاك بالاسم وقال لك: يا فلان إذا كان لك حاجة؛ فلا تطلبها من أحد، تعالَ إليّ مباشرةً لن يعترضك أحد.. هل من المتصور أن تتصل بحارس أو موظف أو وزير أو مهما كان، مهما كانت صلتهم به؛ تسألهم أن يطلبوا لك حاجتك من هذا الرئيس؟!

ولله المثل الأعلى..

هل يمكن لعاقل أن يترك سؤال من يعلم أنه ينفعه أو يضره قطعًا؛ لسؤال من يعلم أنهم لا يضرونه ولا ينفعونه قطعًا، على تَوهُّم أنهم ربما يَشفعون له عنده؟!

ما الفرق بين من توسل لله بـ “الأصنام” ومن توسل لله بـ “القطب”، في قول الله تعالى: “والذين اتخذوا من دونِه أولياءَ ما نَعبُدُهم إلا ليقرِّبونا إلى الله زُلْفى”؟!

والواقع أن هؤلاء عبدوا الأقطاب، كما عبد أولئك الأصنام؛ أكثر من عبادتهم لله عز وجل!

أحد أهم مركزيات العقيدة في الإسلام؛ إبطال كل واسطة بين العبد والرب.. حسمًا لذريعة الشرك، فقطعت الشريعة أي طريق يتقاطع معه أو يؤدي إليه، إمعانًا في توحيد الله تعالى، لأنه الغاية من الخلق!

وهو أحد وجوه تفسير قول الله: “وما يُؤمنُ أكثرهم بالله إلا وهم مُّشركون”!

فالإخلاص لا يظهر تمام الظهور إلا بخفوت الشرك بكل أشكاله حتى الخفي منها والدقيق مثل الرياء والسمعة..

وعلى قدر وضوح الإخلاص في النفس، وانفجاره في القلب، واستقواء السلوك به؛ على قدر أثره في استجابة دعاء العبد وانفراج همه.. ولذلك ورد في الأثر: أخلص دينك يكفك القليل من العمل!

ومنه تلمس ذكاء ابن تيمية وغيره من الأئمة، الذين قالوا عن بعض الأحوال المشتبهة باتخاذ الوسطاء، كسؤال الأحياء “الدعاء”؛ أنها خلاف الأولى فلا تتخذ عادة، فالأصل أن يتوجه العبد إلى الله مباشرة.. لأن الأصل الترفع عن سؤال الخلق أي مسألة، والاستغناء بالله عز وجل، لأن الافتقار جوهر العبودية، بل الافتقار في ذاته عبادة، فلا ينبغي أن تُصرف كل استطاعة فيه إلا في الله.

Share via
Copy link