ما بين {وأُوحي إلى نوح أنه لن يُؤمن من قومك إلا من قد آمن} و {اركبوا فيها بسم الله مَجراها ومُرساها}..؛ زمن صنع السفينة، حين جاء الأمر لنوح “واصنع الفُلك”!
لم يستغرب نوح الأمر أو يتبرم منه أو يرتاب فيه فيقول:
أي سفينة أصنع وأنا لست نجارًا؟!
أي سفينة أصنع في هذا الموضع البعيد عن الماء؟!
أين يارب العذاب الذي لطالما أنذرتُهم إياه؟!
بل أطاع نوح الأمر، واشتغل فورًا بصنعها بيقين لا يتزعزع!
شهور.. وربما سنوات.. وهو يبني في السفينة.. يُقطع أخشابها، ويُعد أدواتها، ثم يبنيها، ويجمع حمولتها شيئًا فشيئًا.. كل ذلك وهو في غاية الاستضعاف من قومه، فكلما مر عليهم أو مروا عليه “سخروا منه”!
نهار وليل، ليل ونهار، ما بين صبر على تجهيز السفينة وصبر على سخرية قومه، لكنه لا يأبه، إذ أمر الله إليه أحب وأصدق..
كان يُمكن أن يكون عذاب قومه أي عذاب لا يستلزم زمن بناء السفينة، أو أن تكون نجاة نوح في فعل لا يتطلب بناء السفينة .. لكن إرادة الله أن يكون عذابهم فيما لم يخشوه يومًا، ونجاة نوح فيما كان محط سُخريتهم دومًا .. وإرادة الله فوق كل إرادة.
لنعلم أن زمن صنع السفينة – الذي هو الحد الفاصل بين ما قبله وما بعده، والذي ما بعده ليس كما قبله – ليس زمن امتحان نوح عليه السلام وأصحابه فحسب، بل زمن الامتحان الحقيقي لصبر وعمل كل مؤمن، فيه تُهيأ نجاته من حيث لا يدري، وفيه يُهيء الله شفاء صدره وذهاب غيظ قلبه من حيث لا يحتسب