لن تجد أمرًا اعتقاديًا أكثر ذكرًا في القرآن بعد توحيد الله عز وجل؛ من الولاء والبراء!
هذا النظام الاعتقادي، الذي على قدر ما يبدو عليه من شدّة؛ يحمل معاني جمالية لا تجدها في أي نظام آخر.. فالمغزى من الولاء والبراء؛ تحرير المؤمنين وتوحيدهم!
فالشريعة حية مقصدها من تعبيد الناس لله عز وجل؛ تحريرهم.. ومن توحيدهم الله تعالى؛ توحيدهم.
وأول تحريرهم وأول توحيدهم يكون في الشعور والتصور!
عتبة الولاء والبراء؛ الوحدة الشعورية والاستعلاء الإيماني!
فلا يتصاغر لأعداء المؤمنين مهما بلغ حاله من ضعف، ولا يتكبر على المؤمنين مهما بلغ حالهم من الضعف.. بل كما قال الله تعالى: “أذلَّةٍ على المؤمنين أعزَّةٍ على الكافرين”، قال عطاء: “للمؤمنين كالولَد لوالدِه، وعلى الكافرين كالسَّبع على فريسته”.
فالولاء والبراء وإن كان جوهره النُصرة للمؤمنين والمجاهدة لعدوهم.. لكنه يستلزم ما هو أعم من ذلك، فمنه ترك مشابهة العدو واتباعه، مما يدخل في الولاء لغير المؤمنين، قال تعالى: “اتبعوا ما أُنزل إليكم من ربِّكم ولا تتَّبعوا من دونه أولياء”!
ومنه الركون للظالمين قال تعالى: “ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسَّكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تُنصرون”!
ومنه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصح لكل مسلم، قال تعالى: “والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر”!
ومنه تكافؤ دماء المسلمين، في الحديث: “المؤمنون تتكافأ دماؤهم، وهن يد على من سواهم، ويسعى بذكتهم أدناهم”!
فهذا نظامٌ مُحكمٌ عجيب يصب كله في تحرير الناس بتعبيدهم لله عز وجل وحده، وتوحيد صفهم.