مشكلة الاحتفال بـ الكريسماس أنه يمس؛ رد “الدين” علاقاتك بالعالم لعلاقتك بالله وتصورك عن الله.. فتغفل عن أن الله واحد “أحد”، وأن الله فرد “صمد”، وأن الله “لم يلد ولم يولد”، وأن الذي يغفر هو الله وحده، والذي يرحم هو الله وحده، المهدي من هداه الله وحده، والمآل إلى الله وحده.
الدين يُريد أن يستخرج كل ذلك منك، حتى تصير كل ذرة فيك تتبتل بحق العبودية وتُسبِّح في أعماقك بعظمة الله، وتتحرك بأمر الله.. امتثالًا لما علَّمك النبي صلى الله عليه وسلم أن تقول: “خشع سمعي وبصري ودمي ولحمي وعظمي لله رب العالمين”، أي خضع وأطاع وأنقاد لله وأعرض وتورع عن كل ما يغضبه.
ولذلك يمس “أُمة الإسلام” مجتمعة، فعزة الأمة تعني قطع أوصال الناس بعادات الأُمم الأخرى، ببناء بنية اجتماعية تختلف في ثقافتها ومكوناتها عن التي تضادها وتُخالفها في الأعراف، وإعادة توجيه الالتزامات والواجبات داخل هذه البنية، ليكون الولاء والبراء على المعتقد الذي ترجع إليه عاداتها وأعرافها هي، سواء كانت تعبدية أو اجتماعية!
ومنه تفهم قول النبي صلى الله عليه وسلم: “إن الله قد أبْدلكُم بهما خيرًا منهما؛ يوم الأضحى، ويوم الفطر”.
ولذلك انظر كيف حرص النبي صلى الله عليه وسلم على قطع عادات الجاهلية ووجه عنايته لها.. فالقصد لم يكن مجرد إحداث قطيعة مع شعائر الماضي، بل بناء نظام اجتماعي جديد للأُمة، وما كان هذا ليحدث لولا القطيعة مع شعائر الماضي وعاداته وأعرافه!
قطعًا هذا الأمر ثقيل على النفس، لضغط الداعي الاجتماعي، لذلك لا تملك زمامه إلا النفوس القوية.. القرآن نفسه عبَر عن ثقله في أمر مشابه عندما حدثت واقعة “تغيير القِبْلَة” لإعادة بناء قداسة الكعبة في أذهان الصحابة، حتى يقطع الإسلام علائق الماضي تمامًا، وينفي أي احتمال للاتباع؛ ألفةً لأديان أو أسلاف أو أعراف قديمة مهما كانت قداستها.
فعَبر القرآن عن ثقل هذا الأمر في قوله “وإن كانت لكَبِيرَةً” لشدة الحرج الاجتماعي الذي وقعوا فيه بالانصياع لأمر الله تعالى!
لماذا كل هذا؟!
حتى تصرف كل طاقة الانتماء النفسية في الدين؛ الفرح، الحزن، الود، الرضا، الغضب.. إلخ، فيصير كل الهم همه، وكل العمل لأجله، تبعًا لقيمة التوحيد وحقيقة أنه الغاية الأساسية من الخلق.