من الآيات الآسرة قول الله تعالى: “ولا تخافي ولا تحزني إنا رادُّوه إليك وجاعلوه من المرسلين”، ما قُدَّر على أم موسى عليه السلام كان فوق كل تصور.. وتأمل كيف يُعبّر القرآن عن نفسها بعدما فارقتْهُ؛ “وأصبح فُؤاد أم موسى فارغًا”، إذ شغلها حُب موسى وفقده عن كل الخواطر، ورغم شدة البلاء، تأتي هذه الطمأنة الرقيقة؛ “لا تخافي ولا تحزني”.. لا تخافي مما قد يقع من فقده، ولا تحزني لما يُصيبك بفِراقه!
لن تجد بنية تفهم النفس، وتشعر بما يحصل في دواخلها من أهوال، وقادرة على أن تداوي ما فيها من احتراقٍ وتمزقات؛ مثل “الدين”، الثقة في الله تعالى، والصبر على أقداره، واليقين في عِوَضه، الرجاء والتوكل والإنابة وحُسن الظن، والتعلق بالدعاء لنيل كل غاية مهما بدت مستحيلة!
بل انظر كيف أن الشريعة لا تستهين بما يَعتملُ في النفس ولا تتعالى عليه؟! فتجعل من أحكامها العملية ما يخص تقلبات النفس؛ فتُشرع الرقية للمحزون، وتحضُّ على الاستخارة للحائر، وتحثُّ المُحبّ على الزواج، وتأمر بالوضوء للغضبان، والصلاة والكتمان لمن فزِعته رؤيا، عشرات الأحكام التي تجعل من الشعور مدخلًا للتكليف، ومن التكليف مستراحًا للشعور.
لا سفسطة الفلسفة، ولا تنظيرات علم النفس، يمكن أن تحل محل “الدين” في رعاية النفس وطَمأنتها.. ولو اجتمعت كل العلوم لتفهم أو تقيس أو تخمد حسرةَ نفس أو لوعة قلب أو انشراح فؤاد أو اهتياج مشاعر؛ ما استطاعت أن تفعل ذلك أو تُعبر عنه!