ولذا؛ كان منشأ الحقوق والواجبات؛ الحكم الشرعي، ومدارها على الإرادة الواعية، فيما عبر عنه الفقه الإسلامي بلفظ بليغ وجيز؛ “التكليف“.
وهذا التكامل مع الدين والقيم الأخلاقية ينبثق من قاعدة افتراضية يقوم عليها النظام الإسلامي هي أن تطبيق العقوبات هو “الملاذ الأخير“؛ فالأصل هو عدم استخدام العنف تجاه المجتمع، وهو ما يفسر لماذا لم يوجد نظام “السجون” عند تأسيس الدولة الإسلامية وفي أول عهودها وأهمها؛ فوجوده الفقهي وترتيبه في الموضوعات الفقهية ليس في مرتبة متقدمة ولا شبه متقدمة بحال من الأحوال بخلاف كونه جزءًا من نظام الدولة الحديثة والدولة المدنية، ذلك أن العقوبات في الشريعة عارض وليست أصل، فلا تستأهل أكثر من وسائل عارضة كأي ضرورة.
إن النظام الإسلامي كُلٌّ متكامل ونسيج متشابك يشد بعضه بعضًا ويعتمد بعضه على بعض، نظام متناسق تتحد معانيه وتصب جميعها في سعادة البشرية ورعاية مصالحها، فلا تُدرك حكمه ولا تُفهم غاياته إلا بالإحاطة بكل جوانبه، والنظر إلى كل أجزائه، لذا كان خاتم الأديان وأيسرها وأشملها، فدائرة التشريع لا تنفصل عن دائرة الأخلاق ولا الاقتصاد ولا الاجتماع، وبقدر تواصل هذه الدوائر وتداخلها وتحققها في المجتمع تتحقق سعادته ونهضته، كما حدث في القرون الأولى للإسلام.
فتكامل قواعده القانونية مع العقيدة ومع مبادئ الأخلاق والقيم والآداب من أهم أسباب تعزيز مكانة التشريع في نفوس المخاطبين به، وتمكين قواعده عندهم على نحو يدعوهم إلى احترامه، ويقلل من جسارتهم على مخالفته والتحايل عليه والتهرب من أحكامه.
مما يزيد من نطاق عمل الدين في السلوكيات والمعاملات عن نطاق القانون وربما نطاق الأخلاق، ولنوضح ذلك يمكن أن ضرب المثل بعهدة موظف البنك من الأموال والأشياء الثمينة، فتصرف فيها ربما يكون على ثلاث حالات: الأولى: تسليم الأموال للمودعين، الثانية: الاستيلاء عليها، الثالثة: تسليمها لسارقين أو مهاجمين تحت سلطة السلاح والجبر، فإذا جردنا هذا الموظف من متغيرين من متغيرات: الدين، القانون، الأخلاق، فما الذي يحمله / يمنعه من فعل هذه التصرفات الثلاثة في ظل متغير واحد فقط من هذه المتغيرات؟!
الإجابة باختصار: أن القانون لن يكون مثمرًا وإيجابيًا في الحالتين الأولى والثانية إلا في ظل ضمان فاعليته، فالموظف لن يمنعه من الاستيلاء عليها أو يحمله على تسليمها لأصحابها إلا علمه مسبقًا أنه مراقب بسلطة القانون، فإذا لم يكن كذلك، فجسارته على الاستيلاء عليها تكون كبيرة جدًا في ظل غياب الوازع الديني والأخلاقي أيضًا، بعكس الأخلاق التي تكون مثمرة وفعالة في ذات الحالتين دائمًا، لأن سلطة الأخلاق حاضرة دومًا إذ جهاز مراقبتها داخلي ملازم للموظف وهو “الضمير”، أما الدين فإنه يزيد عن الأخلاق في أنه يقدم فاعلية إضافية في الحالة الثالثة لأن الشريعة تقدم له ميزات إضافية لا يستطيع القانون ولا الأخلاق مجردة عن الدين تقديمها، مثل: نيل مرتبة الشهادة.
وإذا سحبنا المثال السابق بنفس فرضياته إلى جانب تطبيقي في نطاق عمل القانون نفسه ربما تتضح فكرة فاعلية القانون / الدين / الأخلاق بصورة أكبر؛ من خلال طرح السؤال التالي: ما الذي يمنع الإنسان من أن يلجأ إلى المحاكم للاستيلاء على حق غيره إذا كان ألحن بحجته، أو الاستيلاء عليه بالقوة، أو تسليم هذا الحق لصاحبه دون إلزام قانوني أو بالقوة؟!
فالطاعة التي يتمتع بها القانون والتي تدعو الناس للتقيد بها سببها الاحترام المفروض من سلطة لها حق استخدام القوة دائمًا وأبدًا، والطاعة التي يتمتع بها الدين وتتمتع بها الأخلاق والتي تدعو الناس للتقيد بها طوعًا سببها الالتزام الأدبي الذي يجد أساسه في القواعد الدينية / الأخلاقية دون حاجة إلى قوة تفرضها إلا في حالة جحدها أو إنكارها أو التمرد عليها، لذلك يكون للقانون أعظم الأثر في الطاعة إذا وافق قاعدة دينية أو أخلاقية.
وأشهر فلاسفة القانون ينكرون أصلًا أن تكون الأخلاق مادةً للقانون الوضعي، فالفيلسوف الشهير جورج هيجل Georg Hegel (1770: 1831م) مثلًا كان يرى أن الحق يصبح متعينًا بالدرجة الأولى حين يتخد صورة القانون الوضعي، أما الأخلاق والأوامر الخُلقية فهي تخص الإرادة في جانبها الذاتي الخاص ولا يمكن أن تكون موضوعًا لتشريع وضعي [1].
وأشهر نظريات القانون هي “الوضعية القانونية” التي وضعها جيرمي بنتام Jeremy Pantham (١٧٤٨: ١٨٣٢م)من خلال كتابه (مقدمة في مبادئ الأخلاق والتشريع) وطورها الإنجليزي جون أوستن John Austin (1790: 1859م) من خلال كتابه (تحديد نطاق علم القانون The Province of jurisprudence Determined)، ثم متأخرًا هربرت هارتHerbert Hart (1907: 1992م) من خلال كتابه (مفهوم القانون) [2]؛ تتطلب فصلًا صارمًا بين القانون والأخلاق، فالقاضي الذي يواجه تضاربًا بين القانون وما يعتبر عادلًا أو أخلاقيًا، لن يستطيع بأي حال من الأحوال أن يقرر عدم تطبيق القانون ولو كان غير عادل بشكل لا يطاق، ويعتبره قانونًا خاطئًا Erroneous Law، بل لن يستطيع حتى أن يفسره تفسيرًا أخلاقيًا!
إن الشريعة الإسلامية بمعناها الشامل عقيدة وأخلاق وتنظيم اجتماعي وسياسي واقتصادي تعتبر من أهم مقومات الشخصية الإسلامية وأهم عناصر الوحدة القانونية للأمة الإسلامية، فالقانون ليس مجرد أداة لخدمة سياسات التنمية، كما أنه ليس مجرد وسيلة للانضباط داخل المُجتمع، بل هو قبل كل شيء مرآة تعكس حضارة المُجتمع وقيمه، والشريعة الإسلامية هي القادرة وحدها على تحقيق ذلك باعتبارها التراث القومي للأمة، لأنها تنظيم شامل لأمور الدين والدنيا، كما أن احترام القانون رهين بمدى استجابته لقيم المُجتمع الأخلاقية والروحية والمادية على سواء، والشريعة هي أصلح النظم في هذا الصدد [3]، وهو ما يتفق مع الطبيعة الإنسانية والفطرة البشرية أو ما يُمكن أن نعبر عنه بالأصل الإنساني، ذلك أن الحقوق والحريات والواجبات التي هي موضوع علم القانون؛ لصيقة بالذات الإنسانية التي تُمثل القيم والأخلاق جزءًا لا يتجزأ منها، ولا يمكن فصلها عن غاياتها، خلافًا للعلوم التجربيية أو الطبيعية التي تقوم على منهج المشاهدة والتجربة تبعًا للظواهر الطبيعية، لذلك كان اتفاق الباحثين عقلًا على نتائج البحث في العلوم الاجتماعية التي يعد القانون من أبرزها؛ مستحيلًا خلافًا للعلوم الطبيعية.
ولذل؛ كان منشأ الحقوق والواجبات؛ الحكم الشرعي، ومدارها على الإرادة الواعية، فيما عبر عنه الفقه الإسلامي بلفظ بليغ وجيز؛ “التكليف“.
وهذا التكامل مع الدين والقيم الأخلاقية ينبثق من قاعدة افتراضية يقوم عليها النظام الإسلامي هي أن تطبيق العقوبات هو “الملاذ الأخير“؛ فالأصل هو عدم استخدام العنف تجاه المجتمع، وهو ما يفسر لماذا لم يوجد نظام “السجون” عند تأسيس الدولة الإسلامية وفي أول عهودها وأهمها؛ فوجوده الفقهي وترتيبه في الموضوعات الفقهية ليس في مرتبة متقدمة ولا شبه متقدمة بحال من الأحوال بخلاف كونه جزءًا من نظام الدولة الحديثة والدولة المدنية، ذلك أن العقوبات في الشريعة عارض وليست أصل، فلا تستأهل أكثر من وسائل عارضة كأي ضرورة مثل: “الجلد” و “الرجم”؛ ندُر تطبيقها!
ويمكن أن نصيغ هذا التكامل من ثلاثة أوجه:
الأول: تأثير القيم الدينية في مقاومة الانحراف والوقاية من الجريمة (تأثير القيم في التشريع)، فهي من أشد عوامل إيقاظ الضمير الإنساني وتحقيق الرقابة الذاتية للنفس على السلوك.
الثاني: حماية التشريع للقيم الأخلاقية بنصوص فعالة (تأثير التشريع في القيم)، إذ توجه العقوبات في الشريعة قِبل كل ما يمس الأخلاق الفاضلة.
الثالث: تأثير القيم الدينية في وسائل الاقتضاء وأدوات الخصومة، فالقواعد التشريعية لا تمنع التنازع والتخاصم، فهذا مما يُنافي الطبيعة البشرية والغرائز الإنسانية، بل إنها تُراعي تلك الطبيعة والغرائز وتُهذبها وتنظمها بالوسائل والأدوات الأخلاقية الشرعية.
الوجه الأول: تأثير القيم الدينية في مقاومة الانحراف والوقاية من الجريمة:
فالقانون الوضعي يحكم السلوك الخارجي للإنسان فقط، أما التشريع الإسلامي فهو يخاطب كل أنواع النشاط الإنساني، سواء كان متمثلًا في السلوك الظاهري، أو كان متعلقًا بالنوايا والمقاصد والأفكار، غير أن العقاب الدنيوي يقتصر على ما كان متعلقًا بالسلوك الظاهري، والعقاب الأخروي يشمل نوعي النشاط الإنساني.
إن العقوبة وحدها لا تكفي في الشريعة الإسلامية لمكافحة الإجرام، إنما يُكافح الإجرام في الشريعة الإسلامية نظامها المتكامل في صيانة الأخلاق والحض على الفضائل، وتنظيم العلاقات الاجتماعية تنظيمًا شاملًا، وإيقاظ الضمير الإنساني بتعاليم الدين، وتطهير النفس البشرية بالإيمان، والدعوة إلى المساواة والأُلفة والتكامل والعدل والإحسان والمروءة وإيثار الذات والجهاد في سبيل الحق، والجهاد ضد الظلم والفساد والطغيان والباطل وتكليف الكافة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر [4].
فتكامل قواعد التشريع الإسلامي مع العقيدة والأخلاق والقيم والآداب يُمثل ضمانة كبيرة من ضمانات منع وقوع الجريمة ابتداءً، والاتجاهات المعاصرة للسياسة الجنائية تتجه إلى أهمية اتخاذ التدابير المانعة لوقوعها وسن النصوص التي تكفل وقاية المُجتمع منها.
ففي جرائم الزنا والاغتصاب والاعتداء على العرض على سبيل المثال قدمت الشريعة من التدابير الدينية والأخلاقية ما يكفل تهيئة مناخ المُجتمع لتقليل هذه الجرائم إلى أقل نسبة ممكنة، ابتداءً من الإمعان في الزجر عن ارتكابها، وتعظيم جزائها الأخروي والدنيوي، ومرورًا بسد ذرائعها وقطع دوافعها بتحريم كل ما أسكر وذهب بالعقل، والأمر بغض البصر والحجاب والستر وعدم الخضوع بالقول والاستئذان عند دخول الأماكن المُغلقة، والنهي عن الاختلاط والتعري وعن كل ما يُثير الشهوة أو يُشيع الفاحشة، بل وقطع أوشاج إشاعتها بالكلية بإنزال أشد العقاب على من اتهم غيره بها بغير بينة ولا برهان شرعي، وانتهاءً بإيجاد بدائل شرعية لصرف الشهوة كالحث على الزواج، والتبكير فيه، والإعانة عليه، وإياحة التعدد، والحض على الصبر والصيام لمن لم يستطع الزواج، بل وتعظيم ثواب هذه البدائل.
وفي جرائم السرقات والاعتداء على المال نلحظ تكامل من نوع آخر: ديني اقتصادي أخلاقي تشريعي، ففضلًا عن الزجر عن ارتكابها، وتعظيم جزائها الأخروي والدنيوي، وسد الأبواب المُفضية إليها بالنهي عن الطمع والحث على القناعة؛ أمرت الشريعة بالتكافل الاجتماعي، وجعلت للفقراء والمساكين والمحتاجين والغارمين (المدينين المُعسرين) حقًا في أموال الأغنياء بالزكاة والصدقات، وحقًا في أموال الدولة ومواردها بكفالتهم والأداء عنهم، وألزمت المستطيعين بالنفقة على غير المستطيعين (الضعفاء) من ذويهم سواء كن زوجات أو صغار أو آباء أو أمهات أو أجداد وأمرت بالعدل في العطية بين الأبناء، والعدل في المواريث، بل وزعت أنصبة الميراث بما يكفل إشباع كل وارث بحسب حاجته الاجتماعية.
وهكذا في كل جريمة من الجرائم لها في الشرع من التدابير الدينية والأخلاقية والاقتصادية ما يمنع وقوعها أو يُقلل منها ويحصرها في أضيق نطاق، فالنظر إلى الحدود مُجردة عن غاياتها ومقاصدها، منزوعة من سياق تدابيرها الاحترازية وسُبل الوقاية منها، وبعيدًا عن الجانب العقدي والعامل الإيماني في التشريع، لا شك أنه يُثير الريب والظنون والشُبه، فينبغي على من أراد أن يفهم التشريع الإسلامي وحدوده أن يُدقق في نظامه المتكامل الشامل الذي يصون الفرد وهو يصون المجتمع ككل، والذي يوفر له أسباب الوقاية من الجريمة قبل أن يأخذه بالعقوبة.
فهذا التكامل الديني الأخلاقي التشريعي مُؤد بلا ريب إلى تهذيب النفس البشرية، ومدافعة نوازعها عن الانجذاب إلى الشر، وتربية الفرد على القيم والآداب وترويض نفسه على الأخلاق الحسنة الطيبة، كحال الذي يُعاقب ابنه ليحمله على السلوك القويم ويغرس في نفسه حب الفضيلة، ويمنعه من التردي في حمأة الرذيلة، ويحول بينه وبين أي انحراف، وهذا مما لا شك فيه يُؤدي إلى تحصين المُجتمع من شر الجريمة، فالإيمان الحقيقي والأخلاق الحميدة وبما لهما من ارتباط وثيق ببعضهما يُشكلان أساسًا متينًا في تشكيل الإنسان وتوجيه سلوكه، ويُمثلان سياجًا يُحصنه من مجرد التفكير في ارتكابها.
فالخلاصة، أن الإسلام لا يُقيم بناءه على العقوبة، بل على الوقاية من الأسباب الدافعة إلى العقوبة، وعلى تهذيب النفوس، وتطهير الضمائر، وعلى الحساسية التي يُثيرها في القلوب، فتتحرج من الإقدام على جريمة تقطع ما بين فاعلها وبين الجماعة المُسلمة من وشيجة، ولا يُعاقب إلا المُتبجحين بالجريمة، الذين يرتكبونها بطريقة فاضحة مستهترة، أو الذين يرغبون في التطهر بإقامة الحد عليهم [5].
الوجه الثاني: حماية التشريع للقيم الأخلاقية بأكثر النصوص فاعلية:
فالشريعة تحمي القيم الأخلاقية والإنسانية بنصوص أكثر فاعلية من النظم الوضعية، إذ توجه العقوبات الشرعية قِبل كل ما يمس الأخلاق الفاضلة دون أن يتوقف ذلك على رضا المجني عليه أو تخلف ضرر ما عن الجريمة، لأن غرض حمايتها يعلو على غرض رعاية مصالحه، باعتبار أن الغرض الأول (الحماية العامة) يتعلق بالمصالح المشتركة والنظام العام للمُجتمع، والتراضي بين الجاني والمجني عليه لا يجعل الفاسد صالحًا ولا يُحل ما حُرم، إذ الأخلاق في الشريعة لا تذوب في قداسات العصر ولا تكون أبدًا شيئية من منظور الدين، فهي ذات طبيعة هويتية مستقلة عن المختارات الفردية، الفرض فيها ألا تتأثر بالمتغير الزمني خلافًا للأخيرة التي تتغير بالزمن وللإنسان الحق في التحرر منها، المختارات شيئية وظيفتها خدمة الإنسان، والأخلاق صفات ذاتية وظيفتها التغيير والتحويل نحو الأفضل، المختارات تجعل الإنسان منفعلًا دائمًا، والأخلاق تجعله فاعلًا دائمًا.
لأجل ذلك تُعاقب الشريعة على الردة وشُرب الخمر والفُحش والزنا والفجور والشذوذ بغض النظر عن رضا طرفي الجريمة، ولا سُلطان للحاكم في العفو عن هذه الجرائم، لأن التساهل في شأنها يُؤدي إلى تحلل الأخلاق، وفساد المُجتمع واختلال أمنه ونظامه.
ونحن نرى أن كثيرًا من الدول اتجهت إلى تحريم الخمر تحريمًا تامًا أو جزئيًا سواء فيما يتعلق بصنعها أو بيعها أو نقلها أو شُربها، لِما استبان من شتى الأضرار البالغة المترتبة على تعاطيها، ولولا أن الرأسمالية في الولايات المتحدة – وهي من أكبر منتجي العالم في الخمور بعد أن كانت التجارة فيها مجرمة – أقوى من القانون لكانت الخمور فيها مجرمة إلى اليوم!
وكثير من الدول أُنشئت فيها جميعات ومُؤسسات لمقاومة شيوع الخمور وإدمانها، بل لا يكاد توجد دولة في الوقت الحاضر لا توجد فيها مثل هذه الجمعيات والمؤسسات، حتى أن المؤتمر الدولي للمُسكرات والإدمان الذي نظمه المجلس الدولي للمُسكرات ومكافحة الإدمان بلوزان بسويسرا والمنطمة الدولية العربية للدفاع الاجتماعي بمشاركة منظمة الصحة العالمية في المُدة من 29 نوفمبر وحتى 5 ديسمبر 1975م، وأسهم فيه علماء وخبراء من الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وسويسرا وألمانيا الغربية وعشرات الدول أوصى في مجال الوقاية العامة الشاملة بالاستفادة من تطبيق الشريعة الإسلامية وكيفية علاجها لمشكلة تعاطي المُسكرات والمخدرات، والاهتمام بالأُسرة لتنشئة أفرادها التنشئة الصالحة لوقاية المُجتمع من مشاكل تعاطي المُسكرات والمخدرات، وتوفير الضمان والرعاية الاجتماعية لأسر المدمنين والعمل علي حماية أفرادها، وتضمين المناهج الدولية في كافة مراحلها التوعية الفعالة الناجحة عن تعاطي المُسكرات والمخدرات ونشر الوعي بين فئات الشعب لتحصينهم ضد ذلك التعاطي وإعطاء الشباب عناية خاصة وقاية لهم وحفاظًا على طاقاتهم ومستقبلهم، وحشد وسائل الإعلام لتبصير الناس بالمضار المُؤكدة للمُسكرات والمخدرات.
والغاية الحقيقية من ردع الجاني بالعقوبة ليست هي إيلام الجاني بقدر ما هي زجره وإبعاده عن طريق الجريمة، وما الدليل على ذلك؟
الدليل على ذلك أن الشريعة تفتح له أبواب العودة حتى ولو ارتكب جريمته، من خلال قيمة مركزية من أهم قيمها المركزية وهي “التوبة“، فهي ليست جامدة كالقوانين الوضعية التي لا تراع أحوال من انصلح حالهم واستقامت حياتهم، فأفسدتهم السجون بعد صلاح، وأتلفتهم مخالطة المجرمين بعد توبة، قال تعالى: {إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ * إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [سورة المائدة: الآيتان 33: 34]، وهذا لا يختص بحد الحرابة فقط، بل هو في كل حد من حدود الله؛ تاب مُقترفه قبل قُدرة السُّلطة عليه، كما ذهب إليه ابن تيمية وغيره من الفقهاء.
وليس ذلك فحسب، بل حتى بعد ضبط الناس للجريمة وإحكام قبضتهم على الجاني؛ يحضهم الشرع أن يستروا عليه ويتعافوا جريمته فيما بينهم قبل بلوغها السُّلطة، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تَعَافَوُا الْحُدُودَ فِيمَا بَيْنَكُمْ، فَمَا بَلَغَنِى مِنْ حَدٍّ فَقَدْ وَجَبَ» [6]، وذلك إمعانًا في فتح باب التوبة للجاني، اللهم إلا أن يُعرف ويُشتهر بأذاه وفساده، فلا عفو ولا كرامة، كما ذهب إليه مالك (ت 179هـ / ٧٩٥م) وغيره من الفقهاء، لأن مثله لا يرتدع إلا بسيف العقوبة والستر عليه يُطغيه ويُطمعه في إيذاء الناس وانتهاك الحُرمات.
فإذا ما تاب المُجرم وأناب وارتدع عن غيه وإفساده، فرد الحقوق لأصحابها إن قدر على ذلك واستشعر نكارة ما فعل فعاد إلى طريق الاستقامة قبل أن تأخذه يد السُّلطة؛ سقط جُرمه وعقوبته معًا بما يُمكن أن نسميه “قوة الشرع“، ولم تعد للسُّلطة عليه من سبيل، فالإسلام لم يُشجع على التوبة فقط، بل يُقدرها ويُثمنها في الدنيا قبل الآخرة، فقوة الشرع هنا ليس مجرد مفهوم ديني، بل هي وصف قانوني يرتب آثارًا وإلحاقات قانونية كنحو أسباب الإباحة وموانع العقاب وغيرها.
فإذا لم تُفلح العقيدة ولم تُفلح القيم الأخلاقية في ردع الجاني، وجب إنزال العقوبة به على نحو ما قررته الشريعة بكل حسم وحزم لترده إلى طريق الجادة، أو ترد من سولت نفسه فأوشك على أن يحذو حذوه إلى صوابه.
على أن الإسلام لا يُشدد في العقوبة هذا التشديد إلا بعد تحقيق الضمانات الوقائية المانعة من وقوع الفعل، ومن توقيع العقوبة إلا في الحالات الثابتة التي لا شُبهة فيها، فالإسلام منهج حياة متكامل، لا يقوم على العقوبة إنما يقوم على توفير أسباب الحياة النظيفة، ثم يُعاقب بعد ذلك من يدع الأخذ بهذه الأسباب المُيسرة ويتمرغ في الوحل طائعًا غير مُضطر [7].
ولا تقتصر حماية الشريعة للقيم الأخلاقية والإنسانية في المجال الجنائي المتعلق بالعدوان على النفس والعرض فحسب، بل حتى في مجالات المعاملات المدنية والتجارية والأحوال الشخصية فالأحكام فيها مبناها على رعاية القيم الدينية والأخلاق العامة، فمدار المعاملات المدنية في الإسلام على الأمانة والصدق والعدل، فحسن النية شرط مفترض في كل معاملة، وتنفيذ الالتزامات يتوقف على بذل الإنسان المعتاد عمله بأمانة وعناية، وصحة العقود مرهونة بعدم مخالفتها القواعد والأحكام الشرعية أو الآداب العامة أو أن تكون مشوبة بعيوب الغش أو التدليس أو الغبن أو الإكراه أو الغلط أو العيوب الخفية، واستعمال الحق مرهون بألا يتعسف صاحب الحق في استعماله وألا يُسبب لغيره ضررًا أكبر من المصلحة العائدة من ورائه.
ومدار الأحوال الشخصية على المودة وصلة الرحم والعدل والإحسان والعطف، فالقواعد القانونية في الشريعة متأثرة بشكل كبير جدًا بالأخلاق والقيم وتبدو أكثر ما تبدو في علاقات الأُسرة؛ ابتداءً بشروط الزواج، وواجبات الزوجين كل منهما قِبل الآخر، وواجب الإنفاق على الأقارب، وتوزيع الميراث، وغير ذلك من أحكام لا يجوز الاتفاق على مخالفتها.
الوجه الثالث: تأثير القيم الدينية في وسائل الاقتضاء وأدوات الخصومة:
فتكامل القواعد التشريعية مع القيم والأخلاق لا يقف عند السياسة التدبيرية الوقائية والحماية الموضوعية فحسب، بل إن التكامل بين التشريع والقيم والأخلاق يستمر في كل وقت تخاطب القواعد فيه الأفراد، حتى وهم يتقاضون حقوقهم ويتنازعون في خصوماتهم، فهي تُراعي الغرائز البشرية والطبائع الإنسانية التي لا مناص لها عن الاختلاف والتنازع والتخاصم، لكنها في ذات الوقت تضبط هذا التنازع والتخاصم، هي لا تفترض أن المجتمع المسلم مجتمعًا مثاليًا لكنها تسعى أن تصيره مجتمعًا أخلاقيًا.
وإن ذلك ليبرُز بكل وضوح في إجراءات التقاضي والقواعد والأحكام الشرعية في إثبات الدعاوى، فتحُث على الشهادة بل وتعتبرها من التكاليف الشرعية إذا قام مقتضاها، يقول تعالى: {وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّه} [سورة الطلاق: الآية 2]، ويقول: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [سورة النساء: الآية 135]، ويقول: {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [سورة البقرة: الآية 283]، لكنه لا يعتبر منها إلا ما كان بالعدل، فالعدالة شرط أساسي في الشهادة، وهي عدالة مأمور بها وبالتحري عنها، قال تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [سورة الطلاق: الآية 2]، وقال: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [سورة البقرة: الآية 282]، وانتهاكها والإخلال بها لا يُعرض للعقوبة الدنيوية فقط، بل والدينية الأخروية أيضًا، وهي عقوبة مُغلظة في رتبة عقوبات أكبر الكبائر، فعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟» ثلاثًا، قُلنا: بلى يا رسول الله، قال: «الْإِشْرَاكُ بِاللهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ»، وكان مُتَّكئًا فجلس وقال: «أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ، أَلَا وَشَهَادَةُ الزُّورِ»، فما زال يُكررها حتى قُلتُ: لا يسكتُ [8].
بل التكامل التشريعي الديني الأخلاقي يتجلى بشكل أوضح له أثره البالغ في وسيلة إثبات دينية محضة هي اليمين، فأساس مشروعيتها إشهاد الله تعالى على صدق المُقِر والمدعى به، وعقوبتها دينية أخروية محضة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ وَهُوَ فِيهَا فَاجِرٌ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَقِيَ اللهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ» [9].
وفي اقتضاء الديون أُمر بإنظار (إمهال) المدين المُعسر، وحُسن المُطالبة، مراعاةً لثقل الدين عليه، قال الله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [سورة البقرة: الآية 280]، وفي المقابل أُمر المدين بحُسن الوفاء، وهي ليست مجرد أخلاقيات عامة بل إجراءات يلزم القاضي بتطبيقها عند التنازع في المطالبة والتسليم والتسلم.
بل من أجل صور التكامل الديني للشريعة مع الاجتماعي اعتبار قطع الرحم كمانع من موانع العقاب عند كثير من الفقهاء – كالقوة القاهرة في القانون الوضعي – مثل: إيقاف الحد على من سرق من ذي رحم عند الأحناف، ووقف القصاص ممن قتل ابنه، باعتبار الرحم حق أولى بالرعاية من حق المجتمع في توقيع العقوبة الحدية، فحق المجتمع ليس مطلقًا على حساب حق الفرد كما قد يتصور، وهذا من صميم تكامل الشريعة مع الأخلاق، وتأثير كل منهما في الآخر، فدائرة الديني في الإسلام غير منبتة الصلة أبدًا عن دائرة الاجتماعي، بل كل منهما يُشَكل جزءًا في الآخر، ويمتد أثر هذا التكامل ليس فقط في السببية والعلية والدافعية، إنما أيضًا في إيقاف عمل الأحكام والإجراءات إذا تطلبت المصلحة ذلك أو تقدمت مصلحة على الأخرى.
وهذا الجانب الأخلاقي في القواعد التشريعية هو من أخص ما ميز الشريعة، ورغم أن المشرع الوضعي لطالما تنكر لهذه الخصيصة وقيمتها وحاول الانفكاك عنها، لكنه الآن وفي عنفوان مذهبه المادي يتطلع إلى هذه القيمة ويحاول بشتى الطرق إلى تأسيس قواعده الوضعية على أساس أخلاقي، ويستنكر كل محاولة تبتعد بالقوانين عن الأُسس الأخلاقية.
وقد حدث هذا التحول حين تبين للمُفكرين والفلاسفة أن القواعد المُجردة عاجزة عن ضبط سلوكيات الأفراد، وأن الوسائل المادية لا تكفي للوصول للحقوق ولا إثباتها، في حين بقيت العقائد صامدةً أمام هذا التحدي لقيامها على أُسس أخلاقية، فضبط الحقوق بين الناس مرتبط بسلوكياتهم القائمة على نواياهم وبواطنهم، وهي جوانب تعجز القوانين عن الوصول إليها إلا بشق الأنفس، فحُسن النية وسوئها، والخطأ، والإهمال، والعزم على الفعل (العمدية)، كلها من أهم الركائز التي ينبني عليها اختلاف القاعدة القانونية التي تُخاطب السلوك الواحد، وهي أمور لا شك تعجز الوسائل المادية عن ضبطها وكشفها، لذلك كانت الغاية الكبرى للقوانين هي تحقيق الاستقرار الظاهر للمجتمع وإن فسدت البواطن، فغايته في الحقيقة ليست الإصلاح، ولم تكن يومًا كذلك، عبثًا لطالما قالوا لنا بأن من مقاصد القوانين إصلاح المجتمع، لكن هذا مما أثبت العقل وأثبتت التجربة عبر عشرات السنين استحالته، لأن الإصلاح عملية لا تُوجه في الأصل إلا إلى الأخلاق، والقوانين مُنفكة الصلة بها.
أما الشريعة؛ فإن جُل قواعدها تقريبًا موجهة إلى الأخلاق، في الشكل والموضوع والأدوات والوسائل على النحو الذي بيناه سلفًا، ويزيد على هذا أن الجانب التعبدي فيها لا يُمكن فصله عن الجانب الوقائي والإصلاحي؛ في تجانس وتكامل مُؤد ولابُدْ لتهذيب النفس الإنسانية وضبط سلوكياتها نحو الأفراد والدولة.
فالإسلام أوسع رحابةً وحريةً من القانون، لأنه يرسم من الأخلاق إطارًا عامًا للحياة، أما القانون فيضع عليها قيودًا كثيرة في أماكن متفرقة لاعتبارات ومصالح مختلفة بصورة عشوائية.
—-
* نُشرت الدراسة في مجلة “البيان”، الرياض، السنة ٣٣، العدد 354، صفر 1438هـ / نوفمبر 2016م، ونوقشت بتوسع في كتاب (الشريعة المعجزة) في سياقات الفصل الثاني المعنون: “الأُسس الفلسفية للتشريع الإسلامي”.
[1] جورج هيجل: أصول فلسفة الحق، ترجمة: د. إمام عبد الفتاح إمام، دار التنوير (بيروت)، الطبعة الأولى ٢٠١٠م، ج ٢ ص ٩٦.
[2] ناقشتُ هذا الموضوع بشكل موسع في كتاب: (كيف صنعنا القانون؟: حول علاقة القانون بالدولة عبر العصور)، يصدر في نهاية عام ٢٠٢٣م عن مركز أركان للدراسات والأبحاث والنشر (القاهرة) إن شاء الله.
[3] صوفي حسن أبو طالب: تطبيق الشريعة الإسلامية في البلاد العربية، دار النهضة العربية (القاهرة)، الطبعة الخامسة 1427هـ، ص 265.
[4] محمد نيازي حتاتة: الدفاع الاجتماعي بين الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي، مكتبة وهبة (القاهرة)، الطبعة الثانية 1404هـ، ص 226.
[5] سيد قطب: في ظلال القرآن، دار الشروق (القاهرة)، الطبعة السابعة عشر 1412هـ، ج 4 ص 2490.
[6] حسن بشواهده: أخرجه أبو داود في سننه (4376/كتاب الحدود)، والنسائي في سننه (4885/كتاب قطع السارق)، وعبد الرزاق في مصنفه (10/229)، والحاكم في المُستدرك (4/424)، والبيهقي في سننه الكبرى (8/٥٧٥)، وغيرهم جميعهم من حديث ابن جُريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، وابن جُريج هو عبد الملك بن عبد العزيز، ولم يسمع من عمرو بن شعيب كما روي عن البخاري والبيهقي والعلائي وغيرهم.
غير أن للحديث شواهد منها ما أخرجه البخاري في صحيحه (6781/كتاب الحدود) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتي النبي صلى الله عليه وسلم بسكران، فأمر بضربه فمنا من يضربه بيده ومنا من يضربه بنعله ومنا من يضربه بثوبه، فلما انصرف قال رجل: ما له أخزاه الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا تَكُونُوا عَوْنَ الشَّيْطَانِ عَلَى أَخِيكُمْ».
[7] سيد قطب: في ظلال القرآن، مرجع سابق، ج 4 ص 2489.
[8] صحيح: أخرجه البخاري في صحيحه ( 5976/الأدب)، ومسلم في صحيحه (87/الإيمان) كلاهما من حديث أبي بكرة رضي الله عنه.
[9] صحيح: أخرجه البخاري في صحيحه (2416، 2417/الخصومات)، ومسلم في صحيحه (138/الإيمان) كلاهما من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.