من أهم أسباب تأخر النصر تعليق الصراع مع أهل الباطل على فشلهم، بل هو من أسوء ما يكون في أثره الأخلاقي في الناس، وفي الغالب الأعم ليس له أي ثمرة حقيقية في تغيير قناعات الآخرين، يجب أن يفهم الناس أن قضيتنا مع أهل الباطل ليست قضية نجاح وإنجاز.
قضيتنا الحقيقية هي صراع بين حق وباطل، بين إسلام وجاهلية، بين إنسانية أخلاقية وبهيمية شهوانية، قضيتنا قضية استبداد مُتجذر، وفساد فاش، وعدالة مُفتقدة، وظُلم غائِر، وحرية مقهورة، وكرامة مُنتهكة، وتحقيق المُستبد أي إنجازات من عدمه لا يُغير من حقيقة هذه الأمور في نفوس المُؤمنين بالحق شيئًا، بل إدراكها من أهم أسباب الصبر والثبات والانتصار.
صاحب الحق، صاحب القضية العادلة؛ ليست مهمته إرضاء الجماهير، ولا دغدغة مشاعرهم.
بل وظيفته الحقيقية؛ الارتقاء بأخلاقهم وقيمهم التي لوثتها البراجماتية النفعية، وإرشادهم إلى الحق وإن علا صوت الباطل واشتدت زهوته.
وهذا لن يتحقق إلا على أيدي جيل من أهل الحق اكتسب من أسباب القوة الأخلاقية ما يُعينه بها الله تعالى على إبطال الباطل، حين يكون حُب الحق أحب إليه من حُب النفس، فلا يسعه السكوت حين يلزم الجهر.
فليس معنى أننا مُحبون للدين، مُؤيدون للحق، واثقون في النصر، أننا نستحق النصر، ولو كان الأمر كذلك لكان أحق بالنصر في زمانه من أهم أكثر حبًا للدين وأكثر نصرةً للحق من أسلافنا في الزمن القريب، بل الأمر أكبر من ذلك!!
فمُهمتنا الحقيقية التي ابتعثنا عز وجل لها، وهو ناصرنا لأجلها، تلك التي لخصها ربعي بن عامر رضي الله عنه حين قال: “جئنا لنُخرج العباد من عبادة العباد لعبادة رب العباد”.
هي مُهمة دينية، أخلاقية، في المقام الأول.
لسنا في حاجة لِئن نُدسس الحق لهم تدسيسًا، ولسنا في حاجة إلى أن نحتال عليهم لاتباعنا، لسنا في حاجة إلى أن نُقدم لهم الحق على أنه منفعة براجماتية، ولا في حاجةٍ لئن نُفشل الباطل بالكذب، إننا حين نفعل ذلك نفعله لعدم اطمئناننا إلى الحق الذي بين أيدينا وعدم رسوخه في قلوبنا، فالحق لا يُنصر إلا بذاته لا بسببٍ خارج عنه، فهو النورُ الذي يَمحق الله به كل ظُلمة، والزهرةُ التي تبعث في أهله كل جميل، غنيٌ في نفسه عن كل البشر، منصورٌ ولو تخلى عنه كل الناس، من فاته انكسر ولابُد، ومن هُدي إليه انتصر ولو بعد حين.
إن وظيفتنا الحقيقية أن نُقدم للناس الأخلاق كما هي حسنة طاهرة نقية، وأن نُعلمهم القيم كما هي عُليا راقية صفية.
أن نقول لهم بكل صراحة ووضوح؛ هناك ثمن لكلمة الحق، وهناك ثمن لإعلاء كلمة الله، أن نقول لهم أن هذه الجاهلية التي يحيون فيها هي نجس، وهذا النفاق الذي يعبدون به بعضهم هو شرك، وهذه البراجماتية النفعية التي يبحثون عنها هي انحلال وفساد.
وفي المقابل على ماذا ستحصلون؟!
ستحصلون على حُريتكم، ستُحققون طهارتكم، وستحصلون على كرامتكم وعزتكم، وتبعًا لذلك ستتحقق نهضتكم كما تحققت من قبل لمئات السنين، وستسودوا الدنيا، لا لأننا نعدكم بذلك، ولكن لأن الله تعالى هو الذي وعدكم ذلك إذا عبدتموه وحده، وقدمتم كلمته على كلمة من سواه وهو أصدق قولًا وأوفى وعدًا، والآخرة خيرٌ وأبقى.