وقت القراءة 3 دقيقة
498 عدد المشاهدات

كل حين تُفاجئنا قناة +AJ ببرنامج جديد ووجه إعلامي جديد؛ يُشكك في النظام الاجتماعي في الإسلام، حتى باتت القناة مفرخة وماكينة إنتاج وترميز للمُتكلفين المتصنعين ثُقلاء الدم المتحفزين ضد الدين وحلاله ومحرماته، توظف الكوميديا، أو بالأصح؛ الاستظراف مع كثير من الابتذال والسخافة، في موضوعات اجتماعية مهمة؛ لا يمكن فصل البُعد الاجتماعي فيها عن الديني، والهدف هو فصل جانبها الاجتماعي عن الديني؛ عبر مجموعة من الأكاذيب والمغالطات وخلط المفاهيم!

كل ذلك في إطار سياسة “تفتيت الأسرة”، فكل موضوع يصادم هدف تفتيت الأسرة؛ فالسياسة العامة للقناة “شيطنته”، وكل موضوع يصب في هذا الهدف؛ فالسياسة العامة للقناة “تزيينه”!

فالزواج المبكر = “زواج قاصرات” و”بيدوفيليا”! والشذوذ الجنسي = “ميول جسد” و”طبيعة مثلية”.. ومعارضته “رهاب”! و “الحجاب” = كبت وتقييد للحرية! و “تحديد النسل” = استبقاء جمال المرأة وتقليل أعباء الدولة! و “تعدد الزوجات” = جشع وشهوانية وظلم للمرأة!

“الإجهاض” = حرية للمرأة في جسدها!

وعلى ذلك فقِس، في النهاية ينتظم كله في سياسة واحدة: الشيطنة لمفاهيم تأليف الأسرة، والتزيين لمفاهيم تفتيت الأسرة!

وما علاقتنا كـ “دين” بهذا الموضوع؟! لماذا هي معركة للإسلام؟!

لأن تأليف الأسرة فكرة مركزية، بل شديدة المركزية في الإسلام.. الشريعة من ضمن أهم مقاصدها تزكية فكرة الأسرة وسد ذريعة (منع طرق) تفتيتها..

في كل نظام اجتماعي في العالم توجد قاعدة أساسية هي حفظ النظام الاجتماعي أو تماسك النظام الاجتماعي.. كل تشريع، كل قانون في أي نظام اجتماعي يجب أن يخدم هذه القاعدة، سواء كانت دولة قانون أو دين أو أعراف.. وإلا انهار النظام الاجتماعي المُشكل للدولة كليةً!

النظم الاجتماعية الغربية قائمة على فكرة “الحرية” لأنها نُظم؛ الإنسان فيها يعبد نفسه، والحرية قائمة على فكرة إطلاق الشهوة وعدم كبتها (الشهوانية).. وهذه فكرة مركزية في “الليبرالية” (ولذلك ستنهار مجتمعاتها حتمًا لأنها مفتتة وإلى التفتت سائرة)!

في الشريعة الأمر مختلف تمامًا، النظام الاجتماعي قائم على فكرة “الأسرة”، وهذا له امتدادات في كل جوانب الحياة الاجتماعية بل والاقتصادية والسياسية، فالإجهاض محرم، وتحديد النسل محرم، والزواج المبكر لا يعارضه الدين بل يحث عليه ومن لوازمه الأهلية والكفاءة، وتعدد الزوجات مباح ومن لوازمه العدل، وإنفاق الزوج واجب ومن لوازمه القوامة، والعفة والستر واجب ومن لوازمه الحجاب.. إلخ.

هذه الأمور وغيرها، تصب كلها في قلب فكرة التماسك الاجتماعي للأُمة المسلمة، وبقدر ما تختل؛ يختل تماسك الأمة، وبقدر ما تنهار؛ ينهار تماسك الأمة..

فالشريعة لا تدع أي فرصة لزيادة الروابط الاجتماعية والعلاقات الاجتماعية والمسئوليات الاجتماعية؛ إلا دعت إليها وسمحت أو أمرت بها، لذلك كان للصحابي الواحد من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم عشرات الأولاد، بل زاد عدد أبناء أنس بن مالك رضي الله عنه عن المائة ولد، وندر أن يوجد صحابي إلا له زوجة أو زوجتين أو ثلاث، وقَلّ أن تُطلق صحابية أو تُرمل إلا وتتزوج بعدها فورًا، بل تزوجت عاتكة بنت زيد رضي الله عنها ستة من الصحابة.. والمسلم لأنه لا يتمحور حول نفسه – كالغربي مثلًا – مفطور على حب النسل والذرية لذلك كان “البنون” زينة الحياة الدنيا!

مثلًا موضوع الزواج المبكر (باعتباره موضوع الساعة).. ما الذي يترتب عليه؟!

تقليل فرصة الولوغ في الحرام، تقليل كبت الشهوة وتأكيد صرفها في حلال بل في طاعة، زيادة المسئوليات وتحملها، إنضاج الفرد المسلم بانتقال البنت لأم والشاب لأب وحمل قضية مع هذا الانتقال؛ وأهم نتائج ذلك تحجيم الفردانية..

المعاشرة الزوجية أعمق وأهم التجارب الاجتماعية التي تغرس في الإنسان الحس والطبع الاجتماعي اللذين تحدث عنهما الفلاسفة والمفكرون بقولهم: “الإنسان مدني بطبعه”، لذلك عَظمت الشريعة من الزواج حتى فُضل على الانقطاع للعبادة!

هذا الكلام مختصر جدًا، ونستطيع أن نسود فيه الصفحات، التي يجمعها في النهاية رابط واحد أو فكرة مركزية واحدة في الإسلام هي تأليف الأسرة وسد ذريعة تفتيتها ..

نيكولاس خوري وغيره من الذين تلمعهم قناة +AJ أصحاب أجندات علمانية واضحة مفتوح لها الباب على مصراعيه، فحين ينطفئ خوري سيلمعون ويفتحون الباب لألف خوري، وأنت هنا مثلًا لا تستطيع أن تنشر في أي موقع تواصل اجتماعي أي محتوى مكتوب أو مرئي فيه مصطلح شرعي أو لفظ قرآني مصادم لهذه الأفكار أو حتى أشخاصها بزعم أنها مسيئة!

والمضحك في الأمر أن تستخدم القضية الفلسطينية أو السورية أو ما يسمى بحقوق الإنسان، باسم “الاصطفاف”، كغطاء جاذب للمسلمين؛ كجمهور لهذه القنوات وهذه البرامج وهؤلاء الكوميدينات!

الاصطفاف = أن يكون إنجازك الحقيقي الوحيد هو “تنقية الصف” ثم تأبى إلا تضييعه.. نقاءُ الصَّف مُقدم على وحدتِه.

Share via
Copy link