وقت القراءة 19 دقيقة
473 عدد المشاهدات

من أبرز الجوانب التي اعتنت بها الشريعة عنايةً بالغة وضبطتها على أتم وجه الجانب الاقتصادي، حيث اشتمل القرآن الكريم والسُّنة النبوية على أحكام وقواعد متعلقة بالملكية والعمل والانتاج، بنى منها الفقهاء المسلمون خلفًا عن سلف نظامًا هو الأكمل والأفضل من حيث الفعالية في تحقيق سعادة البشرية ونهضة الشعوب.

ولم يكن لهذا النظام المُحكم أن ينجح في أن يُؤد دوره الفعال ويُحقق مقاصده النبيلة إلا لما تمتع به من خصائص ومقومات ميزته عن بقية الأنظمة الاقتصادية الوضعية من كل النواح: فمن جهة العدالة فعدالته مطلقة لا تُجامل فئةً ولا تُحابي أحدًا، ومن جهة الفلسفة فهو حكيمٌ لا يُقدم مفسدة على مصلحة ولا يُغفل مصلحة راجحة لحساب مصلحة مرجوحة، ومن جهة الاستقرار فهو ثابتٌ في الأصول لا يتبدل ولا يتغير بتغير الزمان أو المكان، متغيرٌ في الفروع يتسع في المرونة لكل ظروف الناس وأحوالهم المتطورة، ومن جهة العمومية فهو عامٌ صالح لكل مجتمع وكل شعب، ومن جهة الشمولية فهو غنيٌ محيطٌ بكل جوانب الحياة لا يُغفل شيئًا، ومن جهة الفعالية فهو يلتزم الحدود العملية المُفيدة الجائز البحث فيها دون مبالغة في تساؤلات غير مبررة وفلسفات غير مجدية ­ خلافًا للأنظمة الاقتصادية الوضعية القائمة في جزء كبير منها على الفروض الخيالية والسفسطة الجدلية البعيدة عن الواقع المنفصلة عن حياة الشعوب ­ ومن جهة الأثر فهو طريق السعادة ولابُدْ لمن امتثل أوامره وتجنب نواهيه ما استطاع إلى ذلك سبيلًا.

وفي الحقيقة فإن هذا النظام الاقتصادي يقوم على نوعين من الأُسس: أُسس عقدية، وأُسس أخلاقية، وكل قواعده وأحكامه ومسائله بعد ذلك إنما هي فرعٌ عن هذين النوعين أو بناء عليهما، وهذا يُمثل الفارق الجوهري بين المنظومة الاقتصادية في الدولة الإسلامية، وفي الدولة القومية العصرية الحديثة، إذ قامت في الأولى على أُسس عقدية وأخلاقية مُؤثرة في أحكامها وقواعدها الاقتصادية، أما في الثانية فلم تقم إلا على المادية والربحية دون أدنى اعتبار للنواح الدينية أو الأخلاقية، وترتب على هذا أن القواعد الاقتصادية كانت من أهم عوامل الحفاظ على الترابط الأخلاقي بين أفراد المُجتمع في الدولة الإسلامية، في حين كانت في الدولة القومية أهم عوامل إفساد العلاقات بين الأفراد وأكبر سبب لإضعاف القيم الخُلقية، كما أدى إلى بقاء الفقير والضعيف عضوًا مستفيدًا وفي ذات الوقت فاعلًا في الدولة الإسلامية، بينما همشته وطحنته والتهمته المنظومة الاقتصادية في الدولة القومية الحداثية.

أولًا: الأسس العقدية:

وهذه الأُسس تتعلق بوظيفة المال وعلاقة الإنسان به، فالمال في حقيقته ملك لله تعالى، وقد أكد عز وجل هذا المعنى في كتابه حيث قال: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ} [سورة المائدة: الآية 120]، وقال: { وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا} [سورة المائدة: الآية 17]، والإنسان ما هو إلا خليفة له في أرضه، مُؤتمن على ما تحت يده من ماله، نائبًا عنه في التصرف فيه لحساب الأُمة، فتملكه له تملكًا مجازيًا مؤقتًا، قال تعالى: {وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} [سورة الحديد: الآية 7]، وقال: {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [سورة هود: الآية 61]، وقال: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ} [سورة الأنعام: الآية 165].

وهذه النيابة ليست نيابة بالمعنى الفقهي أو القانوني، بل هي نيابة شرعية لها خصائصها التي تُميزها، إذ هي أصل كل نيابة، لأنها تنعقد بين العبد والرب، فهي منحة من جهة، وفريضة من جهة أخرى، منحة تُعطي النائب حرية التصرف في خيرات الأرض، وحق التمتع بثرواتها، وفريضة تفرض عليه الوفاء تجاه المنوب عنه بوظيفة الخلافة وشروطها التي توجب استخدام هذه الخيرات والمُقدرات في إعمار الأرض ونمائها، وتوزيع ثرواتها بعدالة وإنصاف واستقامة، فلا يظلم ولا يغدر ولا يحتكر ولا يغش ولا يخون، ولا يأكل مال الناس بالباطل، ويُعطي كل ذي حق حقه، ويُؤد للجماعة حقها.

فالإنسان يتمتع بالحُرية في التملك، لكنه مُقيد بأن يكتسب ما تملَّك بالأساليب والطُرق المشروعة، وله مُطلق الحرية في تكوين رأس المال، لكنه مُقيد بألا يطغى به على غيره أو يُضعف به الأُمة، وبما أنه خليفة عن الله في الأرض نائبًا عنه في التصرف في خيراتها لحساب الجماعة، فهو مسئول أمام الله تعالى عن تصرفه فيها، ومسئول أمام الجماعة أيضًا، التي تملك الحق في مراقبته ومحاسبته.

وهذا التوصيف لطبيعة علاقة الإنسان بالمال له أهميته الكبرى في تحديد وظيفته في الإسلام، فالمال ليس غاية في حد ذاته، بل هو وسيلة:

  • فهو وسيلة الفرد إلى استيفاء حاجاته الضرورية في الحياة، وتحقيق السعادة والسلامة والاطمئنان، لذلك حث الشرع على السعي في العمل، ورغب في الكسب الحلال، وضمن حق الفرد في التملك وأحاطه بسياج من العقوبات الصارمة التي تمنع التغول عليه.
  • ووسيلة الجماعة لإقامة نظام صالح، وتحقيق مصالحها المشتركة، ودفع مُهددات أمنها وسلامتها، لذلك فُرضت أنظمة النفقات الواجبة، والمُستحبة، والتوارث، والزكاة التي اعتُبرت ركن في الإسلام لا يقوم الدين إلا به.

وهذه الوظيفة ذات بُعدين:

  • بُعد دنيوي: مُتعلق بالنفع والانتفاع بخيرات الأرض وثرواتها.
  • وبُعد شرعي: مُتعلق بإنفاذ أوامر الله تعالى (المالك الحقيقي) في ماله.

غير أن هذين البُعدين لهذه الوظيفة يتداخلان بشكل كبير جدًا، بل في الحقيقة لا يُمكن فصلهما عن بعضهما، وهذا هو جوهر تميز وظيفة المال في النظام الإسلامي عن غيره من الأنظمة الاقتصادية.

وبهذه النظرة العميقة لوظيفة المال يضرب الإسلام بمِعوله لهدم الرأسمالية وأي نظام شبيه بها يُحابي الفرد على حساب الجماعة، والشيوعية وأي نظام شبيه بها يُحابي الجماعة على حساب الفرد، فلا غرابة بعد ذلك أن يكون المنظرين لهذه الأنظمة على حد سواء في بلادنا العربية؛ ناقمون على الإسلام وأفكاره.

فالشريعة الإسلامية لا تُسقط من حسابها مصلحة الفرد، ولا تُهمل أيضًا مصلحة الجماعة، فهي تُقيد هذه وتُحدد تلك، بقيود العدل وحدود الإنصاف، فلا تترك العنان لإحدى المصلحتين ­ الفردية أو الجماعية ­ لتطغى على الأُخرى، أو تنتقص من الأُخرى، وهي بهذا تُحقق التوازن الصحيح بين الفرد والجماعة.

ومن مظاهر اعتبار المصلحتين في الشرع:

  • كفالة الملكية العامة للمنافع المشتركة في الحياة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «المُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ [1] فِي ثَلَاثٍ: فِي الكَلَإِ وَالمَاءِ وَالنَّارِ» [2]، وقوله: «ثَلَاثٌ لَا يُمْنَعْنَ: المَاءُ وَالكَلَأُ وَالنَّارُ» [3]، ولنتأمل في الجانب العقدي في هذا المبدأ، الذي تُعبر عنه لفظة “المسلمون”، إذ هذه الشراكة منبثقة عن فكرة “الاستخلاف“، وهي فكرة مركزية في التصور الإسلامي تدور حولها معظم المبادئ ذات الطابع الاقتصادي أو الاقتصادي الاجتماعي، والاستخلاف في جوهره مرتبط بقيمتي العبودية والتوحيد.
  • كفالة حُرية الكسب وتحصيل المال بالطرق الشرعية، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [سورة النساء: الآية 29]، بل الإسلام برغم رعايته للفقراء إلا أنه يعتبره بلاءً ومُصيبة لزامًا على الإنسان أن يتحاشاه ويجتهد في التخلص منه بأنواع النشاط الاقتصادي المشروع، فالمال عصب الحياة ولا تنهض الأُمم وتكون عزيزة مهيبة الجانب بدونه، لذلك كان من أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم التعوذ من الفقر، وكان يقول: «ما أكل أحدٌ طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده» [4]، وقالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: كان أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عُمَّالَ أَنْفُسِهِم [5].
  • إقرار منظومة كُبرى للكفالة والنفقات الواجبة والمُستحبة، ولا أُبالغ حين أقول بأن تفعيل هذه المنظومة وتوسيع نطاقها هو العامل الأول لتقويض التوسع الرأسمالي، وترميم ما دمره، وتحرير المُسلمين من رِبْقَة الاستعمار الاقتصادي الغربي.
  • مَنع التعسف في استعمال الحق، ومنه حُرم الاستغلال، وحُرم احتكار السلع، لأن درء المفاسد مُقدم على جلب المنافع، وفي الحديث المشهور عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لاَ ضَرَرَ ولاَ ضِرَارَ» [6]، فاستعمال الإنسان حقه مرهون بألا يتعسف في استعماله وألا يُسبب لغيره ضررًا أكبر من المصلحة العائدة من ورائه.
  • أصل العصمة في الأموال، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» [7].

وتطبيقًا لذلك:

  • حُرِّم الربا بكل صوره، قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [سورة البقرة: الآية 275]، وقال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} [سورة البقرة: الآيتان 278، 279].
  • حُرمت السرقة وجُرمت بأغلظ العقوبات الدنيوية والأخروية، ومُنع أكل أموال الناس بغير حق، قال تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [سورة البقرة: الآية 188]، {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ} [سورة المائدة: الآية 38].
  • وأُمر بعدم التصرف في مال الغير إلا بإذنه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ مِنْ مَالِ أَخِيهِ شَيْءٌ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ» [8].
  • وأُمر بِوضْع الجَوائح [9]، قال النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَوْ بِعْتَ مِنْ أَخِيكَ ثَمَرًا فَأَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ، فَلاَ يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا، بِمَ تَأْخُذُ مَالَ أَخِيكَ بِغَيْرِ حَقٍّ ؟!» [10].

وغيرها من عشرات الصور التي مبناها جميعًا على مقصد حفظ المال، بل شددت الشريعة على هذا المقصد بأغلظ أنواع التحريم والتجريم، فإذا ما تدنست نفس إنسان بأكل حق من حقوق الناس المالية أو المادية، فلا يُطهره من ذلك الدنس إلا أن يرد ذلك الحق إلى صاحبه، وأن يستبرء ذمته منه، وإلا استحق الذم والمقت من الله تعالى، واستحق العقوبة والأذى من المجتمع، باعتباره مسؤول أمام الله وأمام الجماعة.

كما أن هذا التحديد لوظيفة المال، وطبيعة علاقة الإنسان به، يُؤدي إلى نتيجة شرعية في غاية الأهمية، وهي المساواة بين البشر في الحقوق الإنسانية والواجبات الاجتماعية المتعلقة بالملكية والعمل والإنتاج، فاستخلاف الله للإنسان فى الأرض عام في البشر لا يختص به فريق دون غيره، لأن الناس كلهم عباد الله، وتسخير الأرض وسائر الكون لهم جميعًا دون تخصيص، ثم هم يتفاوتون في أمانه الاستخلاف فيستفيد كل منهم من تسخير الكون لمنافعه بقدر استطاعته وطاقته وبحسب جُهده وقدرته.

ثانيًا: الأُسس الأخلاقية:

إن النظام الإسلامي كُلٌ متكامل ونسيج متشابك يشد بعضه بعضًا ويعتمد بعضه على بعض، نظام متناسق تتحد معانيه وتصب جميعها في سعادة البشرية ورعاية مصالحها، فلا تُدرَك حِكمه ولا تُفهَم غاياته إلا بالإحاطة بكل جوانبه، والنظر إلى كل أجزائه، لذا كان خاتم الأديان وأيسرها وأشملها، فدائرة الاقتصاد لا تنفصل عن دائرة الأخلاق ولا التشريع ولا الاجتماع، وبقدر تواصل هذه الدوائر وتداخلها وتحققها في المجتمع تتحقق سعادته ونهضته، كما حدث في القرون الأولى للإسلام.

ذلك أن الأنظمة الاقتصادية الوضعية تحكم السلوك الخارجي للإنسان فقط، أما الاقتصاد الإسلامي فهو يخاطب كل أنواع النشاط الإنساني، سواء كان متمثلًا في السلوك الظاهري، أو كان متعلقًا بالنوايا والمقاصد والأفكار، غير أن العقاب الدنيوي يقتصر على ما كان متعلقًا بالسلوك الظاهري، والعقاب الأخروي يشمل نوعي النشاط الإنساني.

ولذلك فالمعاملات الاقتصادية المحظورة لا تتوقف على رضا أطرافها أو تخلف ضرر ما عنها، فالقاعدة الاقتصادية المحظورة توجه قِبل كل ما يمس الأخلاق الفاضلة، لأن غرض حمايتها يعلو على غرض رعاية مصالح أطرافها، باعتبار أن الغرض الأول يتعلق بالمصالح المشتركة والنظام العام للمُجتمع، والتراضي بين الأطراف لا يجعل الفاسد صالحًا ولا يُحل ما حُرم، لأجل ذلك مُنع الربا بشكل قاطع ومُنعت الأنشطة الاقتصادية غير المشروعة كالبغاء وبيع المُسكرات، بغض النظر عن رضا طرفي المعاملة، ولا سُلطان للحاكم في إقرار هذه الأنشطة، لأن التساهل في شأنها يُؤدي إلى تحلل الأخلاق، وفساد المُجتمع واختلال أمنه ونظامه.

وهذا الأساس الأخلاقي للقواعد الاقتصادية يظهر من جهتين؛

الأولى: تأثير الأخلاق في المُعاملات الاقتصادية ذاتها، إذ هي من أشد عوامل إيقاظ الضمير الإنساني في المعاملة، وتحقيق الرقابة الذاتية للنفس على سلوكها.

الثانية: حماية القواعد الاقتصادية للقيم الأخلاقية والآداب الإنسانية بنصوص فعالة، إذ مناط الجواز والمنع في المعاملات إحياء الأخلاق الفاضلة.

فأما تأثير الأخلاق في المعاملات الاقتصادية فمن مظاهره:

  • الأمر بالاستعفاف والاستغناء عن سؤال الناس، قال النبي صلى الله عليه وسلم:» لِئنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ، فَيَأْتِيَ بِحُزْمَةِ الْحَطَبِ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَبِيعَهَا، فَيَكُفَّ اللَّهُ بِهَا وَجْهَهُ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ» [11].
  • الحث على التزام الصدق والأمانه، والنهي عن الكذب والخداع في المعاملات وتنفيذ الالتزامات، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [سورة النساء: الآية 58]، وقال عز وجل: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ} [سورة البقرة: الآية 283]، وقال صلى الله عليه وسلم: «وَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» [12]، فاستخدم تعبير «لَيْسَ مِنَّا»، للمُبالغة في الزجر والتخويف، لاحتمال أن يُفهم منها لأول وهلة أنه ليس على مِلة المسلمين، إذ حقُ المُسلم على المُسلم نُصرته وحمايته وعدم خداعه والقتال دونه، لذلك كان الأولى عند كثير من أهل العلم في تفسير هذا الحديث ومثله إطلاق لفظ الخبر من غير تعرض لتأويله أو صرفه عن ظاهره، ليكون أبلغ في الزجر.

وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «الْمَكْرُ وَالْخِدَاعُ فِي النَّارِ» [13]، قال قتادة في تفسير قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عن تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [سورة النساء: الآية 29]: “التجارة رزقٌ من رزق الله، وحلالٌ من حلال الله لمن طلبها بصدقها وبرها، وقد كُنا نُحدَّث أن التاجر الأمين الصدوق مع السبعة في ظل العرش يوم القيامة” [14].

بل صحة العقود والالتزامات مرهونة بألا تكون مشوبة بعيوب الغش أو التدليس أو الغبن أو الإكراه أو الغلط أو العيوب الخفية.

  • إنظار المدين المُعسر، والأمر بحُسن المُطالبة واقتضاء الديون، مراعاةً لثقل الدين على المدين، قال الله تعالى : {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [سورة البقرة: الآية 280].
  • الأمر بحُسن الوفاء، والنهي عن تطفيف الموازين والغش، قال الله تعالى: {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [سورة الإسراء: الآية 35]، وقال عز وجل: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * ٱلَّذِينَ إِذَا ٱكْتَالُوا عَلَى ٱلنَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} [سورة المُطففين: الآيات 1: 3]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اكتالوا حتى تستوفوا».
  • النهي عن الإسراف، وفي المقابل النهي عن الشُح والتقتير في النفقة، والأمر بالاعتدال والتوسط في المعاش بلا إسراف ولا تقتير، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [سورة الفرقان: الآية 67]، وقال: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [سورة الحشر: الآية 9].

وأما الوجه الثاني الذي يُظهر الأساس الأخلاقي للاقتصاد الإسلامي، فيتعلق بتأثير عكسي للوجه السابق، وهو حماية القواعد الاقتصادية للقيم الأخلاقية والآداب الإنسانية بنصوص فعالة، ومن مظاهر ذلك:

  • فرض الزكاة، وتحديد مُستحقيها، قال تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ} [سورة التوبة: الآية 60].
  • حظر الأنشطة الاقتصادية الغير أخلاقية، كتحريم التنجيم والبغاء وبيع السلع المُحرمة كالخمر والمخدرات والخنزير، وكذلك حُرمت طرق الكسب غير الشرعية كالغصب والنهب والاحتيال والسرقة والإكراه، وشُرعت لأجل منعها أشد العقوبات.
  • الإعلاء من شأن الأنشطة الاقتصادية مُتعدية النفع، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أحب عباد الله إلى الله أنفعهم لعباده»، وقال: «ما من مُسلم يزرع زرعًا أو يغرس غرسًا فيأكل منه إنسان أو دابة أو طائر إلا كان له به صدقة».

ولذلك شُرعت الأنشطة التجارية والصناعية والزراعية وغيرها من الأنشطة الاقتصادية النوعية، وحُظرت الأنشطة التي تعتمد على استثمار المال ذاته عن طريق الإقراض (الربا).

  • إقرار نظام الحجر على المُفلس عندما يصير المدين عاجزًا عن الوفاء بديونه ويتوقف عن الدفع.

فاهتمام الشريعة الإسلامية بالجانب الأخلاقي، وجعل القيم الأخلاقية أساسًا لنظامها الاقتصادي ليس إلا من حرصها البالغ على أن تتكون الروابط الاقتصادية في العلاقات الانسانية للمجتمع على أُسس سليمة من جهة وقوية من جهة أخرى، فينشأ نظام الأُمة الاقتصادي قويًا متينًا متماسكًا كفيلًا بتحقيق نهضة حقيقية وتعمير شامل لا يُضار منه ضعيف ولا يُحرم منه فقير.

يمكن أن نقارن هذه الإشارات السريعة لعلاقة الأخلاق بالنظام الاقتصادي الإسلامي، بالرأسمالية التي على حد تعبير بعض منظرينها: “فشل معظم المدافعين عن الرأسمالية في توفير دفاع أخلاقي عن هذا النظام” [15]، لنا أن نتصور كيف أن نظامًا هائلًا بحجم الرأسمالية يُنَظْر له ألوف من الباحثين والفلاسفة لكنهم ثم يقرون بفشلهم في تبريره أخلاقيًا! لماذا؟! لأنه فشل حقيقي تمامًا، إذ الرأسمالية نظام لا يتلاقى أبدًا مع الأخلاق ولا يتقاطع معها.

—-

* نُشرت الدراسة في مجلة “إعجاز للبحث والتأمل العلمي”، سنوية محكمة تصدر عن هيئة الإعجاز للقرآن والسنة لشمال المغرب، العدد الأول أبريل 2016م / 1438هـ، وأُعيد تناولها بتوسع في كتاب (الاقتصاد في الإسلام: من المفهوم إلى الإجراء) ضمن الفصل الأول: حول مصادر التنظير الإسلامي في الاقتصاد، يصدر في بداية العام ٢٠٢٣م إن شاء الله تعالى عن مركز أركان للدراسات والأبحاث والنشر (القاهرة).

[1] يقول السَّرَخْسي الحنفي (ت 483هـ): “ومُرادهم من لفظة الشركة بين الناس: بيان أصل الإباحة والمساواة بين الناس في الانتفاع”.
محمد بن أبي سهل السَّرَخْسي: المبسوط، دار المعرفة (بيروت)، طبعة 1414هـ / 1993م، ج 23 ص 164.

[2] صحيح: أخرجه أبو داود في سننه (3477/الإجارة)، وأحمد في مسنده (5/364)، والبيهقي في سننه الكبرى (٦/١٥٠)، وابن أبي شيبة في مصنفه (5/7).

[3] صحيح: أخرجه ابن ماجة في سننه (2473/أبواب الرهون)، وابن الجارود في المُنتقى (153)، كلاهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[4] صحيح: أخرجه البخاري في صحيحه (2072 /كتاب البيوع) من حديث المِقْدام رضي الله عنه.

[5] صحيح موقوف: أخرجه البخاري في صحيحه (2071/كتاب البيوع).

[6] صحيح بمجموع طُرقه وشواهده: أخرجه ابن ماجة في سننه (2340/أبواب الأحكام)، وأحمد في مسنده (5/326)، والبيهقي في سننه الكُبرى (6/١٥٦، 10/١٣٣)، جميعهم من حديث عُبادة بن الصامت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، بإسنادٍ مُنقطع من طريق إسحاق بن يحيى بن الوليد بن عُبادة عن جد أبيه عُبادة بن الصامت رضي الله عنه، إذ إسحاق لم يلق عُبادة رضي الله عنه كما قال البخاري والدارقطني وابن حجر وغيرهم.
وأخرجه ابن ماجة في سننه (2341/أبواب الأحكام)، وأحمد في مسنده (1/313)، والطبراني في معجمه الكبير (11/302)، جميعهم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا، بإسنادٍ ضعيف جدًا، فيه جابر بن يزيد الجُعفي: متروك، اتهمه سعيد بن جُبير وأبو حنيفة وابن عُيينة وأيوب وابن معين وغيرهم، وأخرجه أبو يعلى في مسنده (4/397)، والدارقطني في سننه (5/407)، كلاهما من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أيضًا مرفوعًا، بإسنادٍ ضعيف، فيه إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة، ضعفه أبو حاتم وابن حجر وغيرهما.
ورواه الطبراني في معجمه الكبير (11/228) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما موقوفًا، بإسنادٍ ضعيف جدًا، فيه أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين المصري، كذبه أحمد بن صالح وغيره، وضعفه ابن أبي حاتم والذهبي وغيرهما، وفي إسناده أيضًا روح بن صلاح، ضعفه ابن عدي والدارقطني وغيرهما، وللحديث قصة مروية من طرق أخرى عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا، ليس فيها محل الشاهد، وهي لا تخلو أيضًا من الضعف والإعلال، لكني أعرضت عن ذكرها لخلوها من محل الشاهد.
وأخرجه الدارقطني في سننه (4/51، 5/408)، والحاكم في المُستدرك (2/66)، والبيهقي في سننه الكُبرى (٦/٦٩)، والدينوري في المُجالسة (7/259)، جميعهم من طريق عثمان بن محمد بن عثمان، تابعه عبد الملك بن معاذ النصيبي فيما أخرجه ابن عبد البر في التمهيد (20/159)، وكلاهما عثمان وعبد الملك من حديث يحيى المازني عن أبي سعيد الخُدري رضي الله عنه مرفوعًا، فأما عثمان بن محمد فالغالب على حديثه الضعف كما قال عبد الحق وابن حجر، وأما عبد الملك بن معاذ فلا يُعرف حاله كما قال ابن القطان والذهبي، في حين رواه مالك في الموطأ (٧٤٥)، والبيهقي في سننه الكُبرى (٦/٧٠، ١٥٧، ١٠/١٣٣)، جميعهم عن يحيى المازني عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا، ليس فيه ذكر الخدري رضي الله عنه، وهو أصح من الحديث الأول كما قال ابن عبد الهادي، وعليه فالحديث لا يصح من طريق أبي سعيد الخُدري رضي الله عنه مرفوعًا.
وأخرجه الدارقطني في سننه (5/408) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا، بإسنادٍ ضعيف من طريق أبي بكر بن عياش عن ابن عطاء عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه، فأما ابن عياش فضعفه محمد بن عبد الله بن نمير، وكان القطان وابن المديني وأبو نعيم يُسيئون الرأي فيه، وأما ابن عطاء فهو يعقوب بن عطاء بن أبي رباح الذي يروي عنه ابن عياش، تركه يحيى وعبد الرزاق وضعفه ابن معين وأبو زرعة والنسائي وأحمد وأبو حاتم.
وأخرجه أبو داود في المراسيل (294) من حديث أبي لُبابة بن عبد المنذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، بإسنادٍ ضعيف منقطع من طريق واسع بن حبان ثم ساق قصة وقعت لأبي لُبابة رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وسلم لم يشهدها واسع قطعًا، وفي سنده أيضًا محمد بن إسحاق بن يسار، وهو صدوق يُدلس كما قال ابن حجر، ولم يُصرح هنا بالتحديث.
ورواه الشيباني في الآحاد والمثاني (4/٢١٥)، والطبراني في المعجم الكبير (2/86)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (1/490)، جميعهم من حديث ثعلبة بن أبي مالك القرظي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، بإسنادٍ ضعيف مُنقطع من طريق يعقوب بن حميد بن كاسب عن إسحاق بن إبراهيم مولى مزينة عن صفوان بن سليم عن ثعلبة رضي الله عنه، فأما يعقوب بن حُميد فضعفه النسائي وابن معين وأبو حاتم وغيرهم، ووَثقه غيرهم، وأما إسحاق بن إبراهيم، فضعفه أبو زرعة وأبو حاتم وابن حجر، وأما صفوان بن سليم فلم يلق ثعلبة بن أبي مالك رضي الله عنه كما قال أبو دواد ونقله ابن حجر.
وأخرجه الدارقطني في سننه (5/407) من حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم، بإسنادٍ ضعيف جدًا فيه الواقدي، متهم بالوضع باتفاق جمهور المحدثين لاسيَّما كبرائهم وأئمتهم كالشافعي وابن راهوية وابن المديني وأحمد وابن معين وغيرهم، ورواه الطبراني في الأوسط (1/90) من حديث عائشة رضي الله عنها أيضًا مرفوعًا، بإسنادٍ ضعيف جدًا، فيه أحمد بن رشدين المصري وروح بن صلاح: مُتكلم فيهما، وقد مضى الكلام عليهما، ورواه أيضًا في الأوسط (1/307) من حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعًا، بإسنادٍ ضعيف من طريق عمرو الراسبي عن محمد بن مشمول عن ابن أبي سبرة، فأما الأول فتركه أبو حاتم وأبو زرعة، وضعفه أبو يعلى وابن عدي وابن حجر وغيرهم، وأما محمد بن مشمول فضعفه النسائي وأبو حاتم وابن عدي العُقيلي وغيرهم، وأما ابن أبي سبرة فضعفه البخاري والنسائي وابن معين وابن المديني وغيرهم، واتهمه أحمد وابن عدي بوضع الحديث.
ورواه الطبراني في الأوسط (5/238) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما مرفوعًا، بإسنادٍ ضعيف من طريق محمد بن إسحاق، وقد مضى الكلام على تدليسه، ولم يُصرح هنا بالتحديث.
وطريق جابر رضي الله عنه الأخيرة هي أحسن طُرق الحديث المُتقدمة، والضعف في بعض طرق الحديث مُحتمل، وهي تعضد بعضها في الجملة، فالحديث يصح بمجموع طرقه، لاسيَّما وأن له شواهد عدة من نصوص القرآن والسُّنة.

[7] صحيح: أخرجه البخاري في صحيحه (1741/كتاب الحج)، ومسلم في صحيحه (1679/كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات) كلاهما من حديث أبي بَكْرة رضي الله عنه.

[8] صحيح لغيره: أخرجه أحمد في مسنده (5/113)، والطحاوي في معاني الآثار (4/241)، والدارقطني في سننه (3/423)، وغيرهم، من حديث عمرو بن يَثْرِبِي رضي الله عنه بزيادات في المتن، وله رواية أخرى أخرجها الحاكم في المُستدرك (1/171)، والبيهقي في سننه الكبرى (6/٩٦) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، بلفظ: «لاَ يَحِلُّ لاِمْرِئٍ مِنْ مَالِ أَخِيهِ إِلاَّ مَا أَعْطَاهُ مِنْ طِيبِ نَفْسٍ، وَلاَ تَظْلِمُوا، وَلاَ تَرْجِعُوا بَعْدِى كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ».

[9] أي التجاوز والعفو عما يُصيب الإنسان من مكاره في ماله في البيوع والمعاملات، ووردت في الأصل في بيوع الثمار لما يُصيبها من آفات.

[10] صحيح: أخرجه مسلم في صحيحه (1554/كتاب المُساقاة) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.

[11] صحيح: أخرجه البخاري في صحيحه (1471/كتاب الزكاة) من حديث الزُبير بن العوام رضي الله عنه، وأخرجه (2074/كتاب البيوع) ومسلم في صحيحه (1042/كتاب الزكاة) كلاهما مختصرًا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[12] صحيح: أخرجه مسلم في صحيحه (101/كتاب الإيمان) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[13] صحيح لغيره: أخرجه الطبراني في معجمه الصغير (2/37)، وابن حبان في صحيحه (12/369)، وأبو نعيم في حلية الأولياء (4/189)، جميعهم من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وله شواهد عدة في القرآن والسُّنة.

[14] حسن عن قتادة: أورده الطبري في تفسيره (8/221)، والبيهقي في سننه الكبرى (5/٢٦٣).

[15] Rand, Ayn.; Capitalism: The Unknown Ideal, New American Library, United States, 2nd edition, 1967, p. vii.

من المثير للسخرية أن آين راند Ayn Rand (١٩٠٥: ١٩٨٢م) بعد أن أقرت في بداية كتابها (الرأسمالية: المثالية المجهولة) بفشل المنظرين للرأسمالية في تبريرها أخلاقيًا، وبتطرفهم في الدفاع عنها، جعلت كتابها في محاولة الدفاع الأخلاقي عن الرأسمالية واعتبارها النظام الاجتماعي الأخلاقي الوحيد، تأسيسًا على فكرة مركزية وحيدة تقريبًا هي تحرير الرأسمالية للملكات العقلية لأكبر عدد ممكن من الأفراد واعترافها بالحقوق الفردية، وهي تقريبًا نفس الفكرة التي دار دفاع غيرها من المنظرين حولها، الذين أقرت في بداية كتابها بفشلهم في التبرير الأخلاقي للرأسمالية! فلا غرابة أن تتعرض راند لسيل من الانتقادات والسخرية.
ولنا أن نقارن هذه الحُجة بالعديد من الأفكار المركزية التي قدمناها حول أخلاقية النظام الإسلامي، لندرك بكل سهولة حجم الفقر الأخلاقي الذي تعاني منه الرأسمالية ويعاني منه منظروها.

Share via
Copy link