وقت القراءة 2 دقيقة
478 عدد المشاهدات

الحضانة مثلها مثل أي حكم شرعي في نظام الشريعة؛ لها فلسفة اجتماعية مهمة مرتبطة بزيادة التماسك الاجتماعي في الأُمة، بل في أمور الزواج والطلاق والنفقة والحضانة هذه العلة أوفر وتأكيد التماسك أظهر..

الحضانة مبنية على الشفقة والصبر على تربية الصغير، ولذلك يُقدم في الحضانة الأقرب فالأقرب لوفور شفقته كلما قرب من الطفل، فمن تُدلي من النساء للطفل عن طريق الأبوين تُقدم على من تُدلي عن طريق أحدهما، ومن تُدلي له عن طريق الأم تُقدم على من تُدلي عن طريق الأب.

وتسقط الحضانة بالزواج، لأن الزوج أقل شفقة وأقل برًا به، فالغالب منه البخل عليه، لا في المال فحسب، بل البخل في المشاعر أكبر، واحتمال ضجر الزوج به وارد، والأم تدعوها الضرورة إلى التقصير في تعاهده اشتغالًا بالزوج! بخلاف من يمت للصغير بصلة، لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: “أنت أحق به ما لم تنكحي”، وانعقد الإجماع على ذلك..

ولك مثلًا أن تتصور وضع طفل نفقته على أبيه (واجب النفقة) ومعيشته تحت سقف غيره ينفق على أمه ولا يُنفق عليه لأنه غير ملزم بذلك؟! فلو أسقطت النفقة على أبيه لتستقيم نفسية الطفل؛ فما الذي يضمن استمرار هذا التفضل من زوج الأم عند أول خلاف بينهما؟! 

فلما تعارضت الحقوق وجب الترجيح بينها، وما كان نظام الشريعة ليترك ذلك هملًا أبدًا، فالضرر اللاحق بالأم المتزوجة لأخذ الطفل منها أقل من الضرر اللاحق به، فكان جبره أولى، ولو كان محتملًا لم يتحقق بعد، وهذا من آكد أمارات العدالة في الشريعة – لا ظلمها – وحرص الدين على التنشئة السوية للمسلم، فحق الصغير في أن ينشأ سويًا تُراعى مشاعره أولى من إشباع لذة الأم بضمه وحضانته! ولنفس السبب ترك الفقهاء الحق للصغير إذا بَلغ في اختيار من يكفله، لأنه حق له استرده، فالعلل والمعاني المعتبرة في إثبات الأحكام مستقرة في الفطرة وفي الحقوق.

يتبقى أن تعلم:

أولًا: أن هذا الحكم (الشرعي) مرتبط لزومًا بتعظيم السُّنة النبوية، لثبوته بها، فمن تجاسر عليها سيتجاسر عليه ولابُد، ومن كانت هينةً في نفسه فالحكم أهون منها في نفسه قطعًا.. لكن لتعلم أن الحديث إذا ثَبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أفاد العلم الذي يفيده القرآن العظيم في الوجوب والحُجية، “وأنزلنا إليك الذِّكرَ لِتُبيِّنَ للناس ما نُزِّلَ إليهم ولعلهم يتفكرون”، وهو مقتضى شهادة أن “لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله”.

ثانيًا: وقلته مرارًا، لكن للتذكير هنا فقط: الأصل في علة كل حكم شرعي؛ اختبار السمع والطاعة، فهي تابعة للاستجابة لأحكام الدين، والإمعان في تعظيم الخالق بالإمعان في الخضوع له، وهذه في ذاتها مصلحة تُعلَّل بها الأحكام، وهو سر قول النبي صلى الله عليه وسلم: “حُفَّتْ الجنة بالمكاره” أي الشديد على النفس الذي لا تميل إليه بسهولة، وهو جوهر فكرة “العبودية” و “التسليم”!


نُشر في فيسبوك بتاريخ ٩ إبريل ٢٠٢٢م.

Share via
Copy link