وقت القراءة 1 دقيقة واحدة
342 عدد المشاهدات
يستعظم البعض ما تمر به أُمة الإسلام من مِحنة، فيظن أنه لا سبيل لتبدل الأحوال أو تغَير الواقع بين عشية وضحاها، وهذا محض وهم، فقد مضت هذه الأُمة فيما مضت إليه في تاريخها الطويل عبر مئات المِحن والنكبات التي قد تكفي إحداها لمحوها من الوجود، أو منع صعودها ونهضتها مرةً أخرى لعشرات السنين، لكن هذا لم يحدث، لا لضعف الأُمم التي غالبتها، بل بفضل رجال ونساء لم يذوبوا مع من ذاب في أزمنة الغلبة والانكسار، ولم يتلاشوا مع من تلاشى ممن أُصيب بلوثة اليأس والإحباط والانهيار!
نحن أُمةٌ تحملُ جينات التمرد والتحرر والانتصار، نحن أُمة قابلة لاستعادة هيبتها فوق كل أرض وتحت كل سماء وفي أي زمان، وهو ما يُرعب أعداءنا مهما كان حالنا في ضعف وهوان.
ليس هذا هروبًا من واقع كما قد يُتوهم، ولا ضربًا بالغيب، ولا تضليلًا للعقول، ولا متاجرةً بالعواطف، إنما هو تأكيدٌ على سُنن الله في هذه الأُمة، فجذورها مُستعصيةٌ على الاقتلاع، ولو كان ذلك من السهولة بمكان لحدث من قبل مرات ومرات.. وهل نسينا ما فعله المغول في بلاد المسلمين حتى استحالت بغداد من آنس المدن إلى خرابةٍ كبيرة – كما يقول ابن كثير – إذ قُتل فيها وحدها أكثر من مليون وثمانمائة ألف نفس؟! هل نسينا كيف نُهبت أموالُها؟! وكيف حُرقت كُتبها ؟! وكيف خُرِّبت مساجدها ومدارسها ومكتباتها؟!
وهل نسينا كيف قَتل الصليبيون في القُدس في جُمعةٍ واحدة ما يربو على السبعين ألفًا، فيهم الأئمة والعُلماء والزُهاد؟! هل نسينا كيف كان يُشنقُ الكثيرَ من الشبان والشيوخ بحبلٍ واحد طلبًا للسرعة في التخلص منهم؟! وكيف كانت الدماء تجري كالأنهار في الطُرق؟! كيف كانت الأسيرات يُبعن في أسواق أنطاكية؟! وكيف غنِمت أوروبا من الذهب والفضة وخيرات بلادنا ما لا يقعُ عليه إحصاء؟!
فهل زالت الأُمةُ من الوجود بهذه النكبات؟!
أبدًا.. بل زالت الأُمم التي نازعتها، وزال ما هو أعظم منها بأهون من تلك النكبات، وبقيت أُمتُنا رغم كل ما أصابها، لأن الله تعالى تكفل حفظها وتولى نصرها إذا تهيأ منها رجال لهذه المُهمة.
أقول ذلك، لأن استحضار هذه المعاني هو الحد الأدنى لقيام كلِّ مُسلم بدوره في تغيير واقع الأُمةِ ومقاومةِ كسرها وقهرها.